شهدت مدن العراق واحدة من أعنف التظاهرات ضد الحكومة والميليشيات الموالية لإيران على الإطلاق، إذ تحول الاحتجاج أمس الأول الجمعة، إلى اشتباكات عنيفة أحياناً في بغداد ومعظم مدن الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية، وسقط إثر ذلك أكثر من 2500 بين قتيل وجريح، وسط تحذيرات متصاعدة من اقتتال بين الفصائل الشيعية.

وتجددت الاشتباكات نهار أمس السبت، فيما يبدو أنها مواجهة مرشحة للاستمرار، وخصوصاً بعدما استبق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الأحداث، حين أصدر تحذيراً قبيل التظاهرات بـ «التصرف بما يرضي الله ويرضي المتظاهرين» إذا تعرض شباب الاحتجاجات لإطلاق نار أو قنص، كما حصل مطلع الشهر الجاري.

Ad

وتركزت معظم الأنظار على الشعارات المعادية لإيران والميليشيات الموالية لها، والتي أطلقها الجمهور الشيعي بعد شهور من بروز رأي عام معارض لإقحام العراق في الأزمة بين طهران والمجتمع الدولي، لكن الأمر لم يتوقف عند الشعارات، بل هاجم المتظاهرون طوال ساعات، يوم الجمعة، عشرات المباني التي تتخذها الميليشيات مقراً لها داخل المدن.

غير أن مسلحي الميليشيات ردوا بإطلاق النار على المحتجين في حالات عديدة، انتهى بعضها برد مسلح مجهول، وقتل لقادة المقرات وقام متظاهرون غاضبون في مدينة العمارة بسحل والتمثيل بجثث قياديين اثنين، في مشهد أثار المخاوف بالحد الأقصى من اندلاع اقتتال بين الفصائل الشيعية وانفلات الأمن.

ويتهم حلفاء إيران جهات أجنبية وعربية بتحريك التظاهرات لإسقاط النظام وتخريب العلاقات العراقية الإيرانية، لكن أصابع الاتهام في حالات الاشتباك المسلح وجهت إلى التيار الصدري، الذي أعلن أنه نشر جناحه المسلح المعروف بسرايا السلام، لحماية المتظاهرين والتعامل مع الجهات التي تعتدي عليهم.

واعترفت الحكومة سابقاً بأن قناصين ومسلحين مجهولين تسببوا في مقتل 140 متظاهراً، وجرح ستة آلاف في تظاهرات مطلع الشهر، وقالت تقارير إن الجهات المتورطة هي الفصائل الموالية لطهران، مما أدى إلى تأليب الرأي العام ضدها، وشجع الصدر والحزب الشيوعي مع قوى علمانية أخرى إلى المشاركة المكثفة في تظاهرات الجمعة، مطالبين باستقالة الحكومة وانتخابات مبكرة.

ولم يفلح المرجع الأعلى بالنجف علي السيستاني في تهدئة المتظاهرين حين دعا ممثله في خطبة الجمعة إلى التمسك بسلمية التظاهرات، إذ سجلت الأحداث بعد مناشداته وتحذيره من انفلات الأوضاع واحداً من أكثر أيام الاحتجاج عنفاً، خصوصاً بعد مشاركة مدينة البصرة فيها والاشتباك مع قوات الأمن.

وتقول مصادر إن وساطات رفيعة عراقية وإيرانية تقوم باتصالات مكثفة بين الصدر وفصائل الحشد الشعبي لمنع تجدد الاشتباكات، في وقت تبدو الحكومة متفرجة على هذا النوع من الاحتكاك المسلح في معظم الحالات، وأخفق البرلمان في الانعقاد لمناقشة الأوضاع نهار أمس السبت.

ونصب المعتصمون سرادقاتهم لبدء اعتصام مفتوح خصوصاً أمام جسر الجمهورية في بغداد المؤدي إلى مقرات الحكومة والبعثات الدبلوماسية، وخصوصاً سفارة إيران المطلة على نهر دجلة، والتي يخشى أن تتعرض لاعتداء يعيد إلى الأذهان إحراق قنصلية إيران في البصرة على يد المحتجين العام الماضي.

ولأول مرة يبدو رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، وهو سياسي مخضرم يتبنى في الغالب سياسات معتدلة، وحيداً إلى هذه الدرجة، ويواجه صعوبات في تهدئة الأحزاب والجمهور بعد تزايد غير مسبوق في عدد الضحايا خلال الاحتجاجات المتكررة خلال الشهر الجاري، رغم إعلانه التمسك بحصر السلاح بيد الدولة وتقييد الميليشيات والتزام الحياد في الصراع الأميركي ـــ الإيراني، إلى جانب إصلاحات اقتصادية وصفت بأنها لا تلبي مطالب الجمهور، الذي تضاءل إيمانه بقدرة البرلمان الحالي على إحداث تغيير في الأوضاع المتردية.