تلقت سلعة النفط، خلال الأسابيع الماضية، مجموعة من الأنباء السيئة التي ربما تشكل تحدياً بيئياً ومناخياً لأهم منتجات الطاقة في العالم، على المديين المتوسط والطويل.

فلم تكد مظاهرات مئات الآلاف من التلاميذ والشباب حول العالم من أجل حماية المناخ، التي شملت مختلف قارات العالم، تهدأ حتى أعلنت فرنسا فرض ضريبة بيئية على رحلات الطيران التي تُقلع من أراضيها بداية من عام 2020، لدعم قطاع المواصلات بمنتجات النقل النظيفة، في حين قالت الحكومة الألمانية إنها تتوقع تحصيل إيرادات بقيمة 18.8 مليار يورو بحلول عام 2023، من عملية تسعير الانبعاثات الكربونية الصادرة عن النقل والتدفئة، بغية زيادة سعر الوقود الضار بالمناخ المستمد من النفط والغاز والفحم، مما سيعطي حافزاً على تطوير وشراء سيارات وأجهزة تدفئة صديقة للبيئة، غير أن الإجراء الأكثر أهمية تمثل في حصول الصندوق السيادي النرويجي على موافقة حكومية لبيع أسهم من النفط والغاز تبلغ قيمتها نحو 5.9 مليارات دولار، لاعتبارات مالية لتخفيف الانكشاف على شركات الطاقة حول العالم، وأيضا اتساقا مع الاستراتيجية العالمية الخاصة بمواجهة التغير المناخي.

Ad

تحديات أكثر

هذه الأحداث المتسارعة نسبياً تعطي انطباعا بأن مستقبل النفط، كسلعة عالمية، سيواجه مزيداً من التحديات البيئية التي تضاف إلى تلك الاقتصادية التي تعم الأسواق حاليا، خصوصا الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وانعكاسها على الطلب العالمي والنمو الاقتصادي، فضلا عن مدى تماسك اتفاقيات خفض الإنتاج لدول «أوبك+ المنتجين المستقلين»، ودخول النفط الأميركي منافسا جديدا لحصة سوقية في آسيا، إلى جانب التحديات التي تشكلها شركات النفط الصخري في زيادة الإنتاج، كلما حققت اسعار النفط ارتفاعا هامشيا في الاسواق.

ولعل من المفيد القول إن اقتصاد المناخ، أو ما يعرف بـ «الاقتصاد الأخضر»، بات اليوم واحداً من أهم القضايا في العالم، بل إن جائزة نوبل للاقتصاد عام 2018 أعطيت للعالِمَين الأميركيَّين وليام نوردهاوس وبول رومر لأعمالهما في مواءمة متطلبات الابتكار ومكافحة الاحتباس الحراري، مع النمو الاقتصادي العالمي، إذ ينظر العالم الى التغير المناخي الناتج عن الانبعاثات الكربونية كمهدد لقطاعات اقتصادية متنوعة كالزراعة والغابات، وارتفاع مستوى سطح البحر وتكثيف وتيرة الأعاصير، وفقدان التنوع البيولوجي والمخاطر على الصحة العامة، وبالتالي تتنامى في العديد من الدول، خصوصاً الأوروبية، منها سياسات احترازية وحمائية تستهدف خفض أضرار الانبعاثات الكربونية من حيث فرض الضرائب على الطاقة التقليدية لتشجيع استخدام البدائل النظيفة، إلى جانب استخدام الاموال الضريبية في الإنفاق على الحد من آثار التغير المناخي على الطبيعة والبشر، لدرجة ان عدداً من الدول الاوروبية -مثل فرنسا وهولندا- شريكة في قياس «نظافة» المنتجات الاستهلاكية المستخدمة في الصناعة والبناء والنقل، مع تحديد نسبة ضريبية تتوافق مع مدى استخدام منتجات الطاقة التقليدية فيها.

حتى الصين

ولا يقتصر التحدي على سياسات أوروبية قد تكون نتائجها على منتجي النفط في الخليج غير مباشرة، إذ إن الصين التي تعد منبع الطلب العالمي على النفط، وخصوصا الخليجي، أظهرت بياناتها لعام 2018 تحسنا في هيكل استهلاك الطاقة، خلال العام الماضي، مع تزايد استخدام الطاقة النظيفة التي شكلت نسبة 22.1 في المئة من استهلاك الطاقة في الصين، العام الماضي، بارتفاع 1.3 في المئة، مقارنة بعام 2017.

ويستهدف برنامج الأمم المتحدة للبيئة تحويل 2% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي سنوياً، بدءاً من عام 2020، لتخضير 10 قطاعات اقتصادية بمختلف دول العالم، ليكون وزنه في عام 2050 أكبر من وزن الاقتصاد التقليدي. ويتسق مع هذا البرنامج العديد من اتفاقيات الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس للمناخ وغيرها، وكلها تصب في اتجاهات واضحة تستهدف وضع آلية عالمية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتقديم دعومات مالية بمليارات الدولارات من الدول المتقدمة للاقتصادات النامية، بما يتوافق مع نسب تخليها عن الطاقة التقليدية والعمل على أن تصبح مصادر الطاقة المتجددة أكثر فعالية ورخصاً في الثمن.

النفط الخليجي

تطورات الاقتصاد الأخضر حول العالم قد يكون بعضها مبالغاً فيه، أو يمثل ضغطا معينا على منتجي النفط، وهي بالتأكيد ستأخذ مسارات زمنية قد تطول أو تقصر، خصوصا مع نمو الاستثمار بالطاقة النظيفة، وهي بكل الأحوال تمثل تحديا كبيرا على السلعة التي تعتمد عليها اقتصاديات دول الخليج بنسب لا تقل عن 80 في المئة، فلا حل أو آلية لمواجهة هذه المخاطر الا بالعمل في اتجاه الاستدامة وخلق اقتصاد غير نفطي مساند للمالية العامة ومعالجة تشوهات الميزانية والإنفاق ورفع القدرة على التعامل مع مختلف الخيارات الصعبة، خصوصا أن سلعة النفط باتت أكثر حساسية في التأثر بشروط المستهلكين أكثر من قواعد المنتجين.