في انتصار كبير للرئيس بشار الأسد وحليفتيه روسيا وإيران في الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات، دخل الجيش السوري مدينة الطبقة ومطار الطبقة العسكري وبلدة عين عيسى وعدداً من القرى والبلدات بريف الرقة، إضافة إلى بلدة تل تمر بريف الحسكة، واقترب لـ6 كم من الحدود مع تركيا.

ووسط ترحيب المدنيين، انتشرت قوات النظام مزودة بدبابات وآليات ثقيلة بمرافقة الشرطة العسكرية الروسية على مشارف بلدة تل تمر الواقعة جنوب مدينة رأس العين بمحافظة الحسكة، وفي محيط منبج وكذلك قرب مدينتي الطبقة وعين عيسى.

Ad

ووفق المرصد السوري، فإن القوات الحكومية اقتربت 6 كيلومترات من الحدود، وباتت على تماس تقريباً في عين عيسى مع القوات التركية، والفصائل الموالية لها، التي تمكّنت منذ بدء هجومها الأربعاء، من السيطرة على شريط حدودي بطول 120 كلم، يمتدّ من مدينة تل أبيض وحتى غرب مدينة رأس العين.

ومع انتشار الجيش في عدد من البلدات والمدن، رفع العلم السوري على عدد من المؤسسات الحكومية في الحسكة والرقة. وأعلنت مديرية التربية، أنها أعادت افتتاح المدارس الحكومية المغلقة من قبل قوات الأمن الداخلي "الأسايش" ومباشرة الكادر الإداري والتعليمي التدريس وفق مناهجها، ورفع العلم عليها، تطبيقا للاتفاق بين دمشق والوحدات الكردية، وأولها مدارس في حي غويران بمدينة الحسكة.

الاتفاق الروسي

وعلى وقع التقدم التركي السريع، أعلنت الإدارة الكردية، في بيان ليل الأحد- الاثنين، "الاتفاق مع الحكومة السورية كي يدخل الجيش وينتشر على طول الحدود"، موضحة أن الاتفاق يهدف إلى "مؤازرة قواتها ومنع وصد الاعتداء".

ولاحقا، أصدرت الإدارة الذاتية تعميماً لموظفيها أفاد بأن الاتفاق عسكري وهدفه فقط حماية الحدود"، ولن يؤثر على عمل كافة الإدارات التابعة لها.

وينصّ الاتفاق، وفق صحيفة الوطن المقربة من دمشق، على "دخول" الجيش إلى منبج وكوباني، المدينتين اللتين لطالما أبدت أنقرة عزمها السيطرة عليهما.

ووفق السياسي الكردي البارز، ألدار خليل، فإن "الإجراء الطارئ" يهدف إلى التصدي للهجمات التركية، معتبراً أن "الأولوية الآن هي حفظ أمن الحدود ومستقبلاً الوصول إلى صيغة مشتركة مع دمشق".

وأوضح نظيره، بدران جيا كرد، أنه "بعد تخلّي التحالف الدولي والأميركيون عن حماية الحدود أو المنطقة، وأعطوا الضوء الأخضر للهجوم التركي، اضطررنا للنقاش مع دمشق وموسكو لإيجاد مخرج والتصدي لحرب الإبادة الشاملة"، مؤكدا أن "هذا اتفاق عسكري مبدئي ولم يتم مناقشة الجوانب السياسية، وهذا الأمر ستتم مناقشته في المراحل اللاحقة".

ويشكّل الاتفاق تحولا جديدا في مسار النزاع، بعدما اصطدمت مفاوضات سابقة بين الطرفين بحائط مسدود. ولطالما أصرّت دمشق على إعادة الوضع إلى ما قبل 2011، بينما تمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية والمؤسسات المدنية والعسكرية التي بنوها بعد عقود من التهميش على يد الحكومات المتعاقبة.

وفي مقال بمجلة "فورين بوليسي"، كتب القائد العام لقوات سورية الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي: "نعرف أنه سيكون علينا تقديم تنازلات مؤلمة مع موسكو وبشار الأسد إذا اخترنا طريق العمل معهم. لكن علينا الاختيار بين التنازلات أو الإبادة، وبالتأكيد سنختار الحياة لشعبنا".

اشتباك واقتتال

ولليوم السادس على التوالي، شهدت رأس العين أمس اشتباكات عنيفة، بعد قصف "هستيري" بالمدفعية والطائرات ليلا، وفق المرصد، الذي أحصى مقتل 60 مدنيا و121 مقاتلا من الوحدات الكردية و86 من الفصائل الموالية لأنقرة منذ الأربعاء.

وكشف المتحدث باسم "الكرملين"، ديمتري بيسكوف، عن توجيه موسكو تحذيراً لكل أطراف الصراع السوري بالفعل من أجل تفادي أي عمل من شأنه تصعيد الوضع أو الإضرار بالعملية السياسية الهشة، مؤكدا أنها لا تريد التفكير في احتمال وقوع اشتباك بين القوات الروسية والتركية في سورية، لكونهما على تواصل منتظم بما في ذلك على المستوى العسكري.

ووفق البرلماني النافذ قنسطنطين كوساتشيف، فإن أنقرة لا تخطط للسيطرة على أراض سورية بالقوة، ولذلك فإن احتمال اندلاع صراع تركي - سوري مفتوح ضعيف.

ترامب والأكراد

وفي ظل تمسكه بعدم التدخل، نبّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس إلى تعمّد الوحدات الكردية إطلاق سراح معتقلي "داعش" لحمله على العودة في أي ميدان يريد الانسحاب منه، معتبراً أنه سيكون من السهل للغاية أسرهم مرة أخرى.

وكتب ترامب في تغريدة على "تويتر"، "قد يكون الأكراد في طور إطلاق سراح البعض لإجبارنا على التدخل"، مضيفا أنه "في إمكان تركيا أو الدول الأوروبية التي يتحدر منها هؤلاء الجهاديون أن يعتقلوهم مجددا بسهولة، لكن يجب أن يتحركوا بسرعة".

وفي تغريدة لاحقة قال ترامب: "عقوبات صارمة ضد تركيا قادمة!"، من دون مزيد من التفاصيل.

من جهته، أكد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين من البيت الأبيض لاحقا أن فريق الأمن القومي الرئاسي سيجتمع الاثنين (أمس) لتقييم هذا الملف.

وأضاف: "من الواضح أن الأوان لم يفُت بعد لفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا".

ولفت إلى أن "الوضع معقّد"، مذكراً بأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي.

وأعلن منوتشين الجمعة أن الرئيس الأميركي أمر بعقوبات صارمة ضد أنقرة، لكن لم يتم تفعيلها حتى الآن.

ومع إعلان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أمس، العمل على تنفيذ أوامر ترامب بسحب 1000 جندي من المنطقة، أفاد مسؤولان بواشنطن عن خطط لسحب معظم القوات من شمال سورية خلال أيام وليس أسابيع، وذلك في جدول زمني أسرع مما كان متوقعاً، في ظل تصعيد الهجوم التركي.

وأكدت وكالة "سانا" السورية "مغادرة قرابة 150 جندياً أميركياً إلى العراق من مطار رحيبة غير الشرعي في المالكية بريف الحسكة".

ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، قرار ترامب سحب ألف جندي أميركي بأنه "خطوة إيجابية"، متوقعا انسحاب الوحدات الكردية من مدن أخرى رئيسية على غرار منبج.

وقال إردوغان: "عندما يتم إخلاء منبج، لن ندخل إليها، بل سيعود إليها أشقاؤنا العرب أصحابها الحقيقيون"، معتبراً أنه لن تكون أي عقبات أو مشاكل في طريق هجومه على كوباني، نظراً لموقف روسيا الإيجابي".

إردوغان وماكرون

وجدد إردوغان انتقاده للقوى الغربية، التي نددت بالعملية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي علّقت تسليم الأسلحة له، وقال: "هل ستقفون إلى جانب حليفكم في حلف شمال الأطلسي أم الإرهابيين؟ لا يمكنهم الإجابة عن هذا السؤال. لا يمكن فهم الهدف مما يقومون به وأسبابه". وأضاف: "خطر لي هل السبب هو أن تركيا الدولة الوحيدة في الحلف ذات الشعب المسلم؟".

وإثر اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن "الإليزيه" تكثيف الجهود بالتنسيق مع شركائها في التحالف الدولي، وفي إطار الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي ومجلس الأمن للتوصل إلى وقف فوري للهجوم التركي الجاري، محذراً من "تتأتى عنه عواقب إنسانية خطيرة وعودة داعش وزعزعة الاستقرار بشكل دائم بسورية".

ورغم إدانة الاتحاد الأوروبي عملية تركيا دون إعلان حظر على تسليم الأسلحة إليها، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إنه يجب ألا يخسر "الناتو" وحدته في محاربة "داعش".

وبحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ عملية تركيا، كما استضافوا مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسن، لبحث كيفية المساعدة في حماية العملية السياسية من التصعيد العسكري، بحسب الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية فيديريكا موغيريني.