مع توالي المواقف العربية والدولية المنددة بالتحرك الأحادي داخل سورية وتزايد المخاوف من تفاقم الفوضى في المنطقة، أعلنت وزارة الدفاع التركية، فجر أمس، مواصلة وحداتها الخاصة (الكوماندوز) التقدم شمال سورية في إطار عملية «نبع السلام» وسيطرت على أهداف حددتها بمنطقة شرق الفرات الخاضعة للوحدات الكردية وقوات سورية الديمقراطية (قسد).

وبعد ساعات من قصف جوي ومدفعي استهدف بلدة رأس العين ومحيطها وشمل مدناً وقرى عدّة على طول الشريط الحدودي، أعلنت وزارة الدفاع بدء الهجوم البرّي لقوّاتها والفصائل السورية الموالية لها، مؤكدة إصابة181 هدفاً كردياً في ضربات جوية ومدفعية منذ بداية العملية.

Ad

ودخل الأتراك من أربع نقاط، اثنتان منهما قريبتان من تل أبيض والأخريان قرب رأس العين التي تقع أبعد نحو الشرق. وأكّد مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن سيطرة القوّات التركيّة الخاصة على أول قرية في العملية وهي بئر عاشق شرق تل أبيض بغطاء جوي وبري وبمساعدة خلايا نائمة فيها، قبل أن تدخل قرى الحاوي والحميدية ومشرفة العز والمشهور والمحربلي واليابسة، تل فندر وعباطين، في ريف المدينة التابعة إدارياً لمحافظة الرقة.

وأسفر القصف على مناطق عدّة، الذي طال ليلاً مدينة القامشلي، وفق المرصد، عن مقتل ثمانية مدنيّين، بينهم طفلان، و16 مقاتلاً من «قسد»، و9 من فصائل المعارضة الموالية لتركيا، كما أصيب 8 أتراك عقب سقوط قذيفة مورتر على مبنى حكومي في بلدة أقجة قلعة.

ومع توقف الرحلات الجوية العسكرية بين مطاري دمشق الدولي والقامشلي واحتمال المدنية نتيجة العملية التركية، تحدث المرصد عن نزوح أكثر من 60 ألف مدني في المناطق الحدودية، لافتاً إلى أن رأس العين والدرباسية باتتا شبه خاليتين.

ووفق المتحدث باسم «قسد» مصطفى بالي، فإن الضربات الجوية قتلت خمسة مدنيين وثلاثة من مقاتليها كما أصيب عشرات المدنيين، مؤكداً التصدي لمحاولات الجيش التركي التوغل تحت قصف عشوائي في محور تل حلف وعلوك قرب بلدة رأس العين، والتسلل من محور تل أبيض.

وتعهد وزير الدفاع خلوصي أكار بأن «تجري نبع السلام بدقة، ولن تمس المدنيين والأبرياء والمعالم الأثرية والمباني الثقافية والدينية والبيئة، ولن تتخلى عن هذه الدقة حتى وإن كان ذلك على حساب تأخر العملية».

موقف أميركي

وذكرت وكالة الأنباء الحكومية (سانا) أن نحو 50 جندياً أميركياً انسحبوا مع عشرات الآليات من محافظة الحسكة عبر معبر سيمالكا المائي غير الشرعي مع العراق، بالتزامن مع قصف صاروخي للجيش التركي على بلدة عين عيسى، التي تضم مركزاً التحالف الدولي شمال الرقة.

وأفاد مسؤول بالخارجية الأميركية بأن واشنطن سحبت جنودها من موقعين من أصل 3 و»جمدت» العمل بالمنطقة العازلة بأكملها وأوقفت تبادل المعلومات الاستخباراتية مع القوات التركية وخط الاتصال العسكري.

باب الهجرة

ورداً على الانتقادات الواسعة، هدد الرئيس رجب طيب إردوغان الخميس بفتح الأبواب أمام ملايين اللاجئين إلى أوروبا، بقوله: «أيها الاتحاد الأوروبي، تذكر: أقولها مرة جديدة، إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب ونرسل لكم 3.6 ملايين مهاجر».

وأضاف إردوغان، في اجتماع لرؤساء فروع حزبه «العدالة والتنمية»، «لم تكونوا يوماً صادقين. الآن يقولون إنهم سيجمدون ثلاثة مليارات يورو (وعدوا بها تركيا في إطار اتفاق حول الهجرة). هل احترمتم يوماً وعداً قطعتموه لنا؟ لا، وبعون الله سنواصل طريقنا لكننا سنفتح الأبواب» أمام المهاجرين.

واستنكر إردوغان انتقادات السعودية ومصر، مشيراً إلى حرب اليمن والأوضاع الداخلية في مصر.

اجتماعات دولية

وبناء على طلب الدول الأوروبية الخمس الأعضاء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وبولندا، اجتمع مجلس الأمن أمس، لبحث الوضع، في حين تتجه الأنظار إلى الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة غداً.

موقف خليجي

ومع بدء العملية، دانت السعودية «العدوان» التركيّ، محذّرةً من أنّه يُهدّد الأمن والسلم الإقليمي وله انعكاساته السلبية على أمن المنطقة واستقرارها ويُقوّض جهود محاربة تنظيم «داعش».

وبينما أبدت الإمارات والبحرين مواقف مماثلة، اتصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بإردوغان وناقش معه «المستجدّات»، قبل أن يعلن وزير الدفاع التركي بأن نظيره القطري خالد العطية هو أول مسؤول أجنبي يبلغه بسير هذه العملية ويعلن دعمه لها، لتكون الدوحة بذلك أول عاصمة في العالم تعلن دعمها لهذا الهجوم.

وإذ رفض وزير الخارجيّة مولود جاويش أوغلو بشدّة الانتقادات، مُتّهماً دول الخليج وخاصة السعودية «بقتل وتجويع الكثير من المدنيّين» في اليمن، تواصلت ردود الفعل العربية المنددة بالتحرك التركي. وأكد ملك الأردن عبدالله الثاني خلال اتصال مع الرئيس العراقي برهم صالح رفضه أي انتقاص من سيادة سورية وتهديد وحدتها، وضرورة احترام القانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية.

وعبر وزير خارجيته أيمن الصفدي عن إدانته لكل «عدوان» يهدد وحدة سورية، مطالباً تركيا بوقف هجومها فوراً وحل الأزمة سياسياً.

وفي اتصال هاتفي مماثل، اعتبر الرئيس المصري ونظيره العراقي أن «العدوان التركي يمثل تطوراً خطيراً يهدد الأمن والسلم الدوليين ويفاقم الأوضاع المتأزمة في المنطقة، ويؤثر على وحدة سورية وسلامتها الإقليمية». وأعلنت الجزائر ​تضامنها الكامل مع سورية وسيادة وسلامة أراضيها في مواجهة «العدوان»، مؤكدة أنها تتابع بانشغال بالغ الأحداث الخطيرة.​

موقف أوروبي

ومع إبدائه ودول أوروبية عدة خشيتها من احتمال أن يُسهم الهجوم في انتعاش «داعش» مع انصراف الأكراد إلى المعركة، استدعى وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان أمس سفير أنقرة، للتنديد «بالعملية الأحادية».

وفيما طالب رئيس الاتحاد الأوروبي جان يونكر تركيا بوقف العمليات، اعتبرت الخارجية الإيطالية أنها غير مقبولة ودعت لوقف فوري لإطلاق النار، كما عبرت بريطانيا عن قلقها البالغ من العمل الأحادي وطالبت بضبط النفس.

وندد رئيس حكومة إسرائيل المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو «بالغزو التركي وحذر من «تطهير عرقي للأكراد». وحضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ تركيا على التحلي بضبط النفس.

مصالح دمشق

بدوره، كشف وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف عن مساع لإجراء محادثات مباشرة بين دمشق وأنقرة لمصلحة الجانبين، مع تأسيس حوار مماثل بين دمشق والأكراد.

وأكد لافروف تفهم قلق أنقرة لكن يجب تسوية الأمر مع مراعاة مصالح دمشق في إطار اتفاق أضنة، مشيراً وجود قناة اتصال على أعلى المستويات السياسية والعسكرية لتهدئة الوضع.

وفي حين قرر رئيس ​مجلس الشورى ​علي لاريجاني​ إلغاء زيارة رسمية اعتراضاً على العملية، طالبت إيران، للمرة الثالثة، تركيا بوقف هجومها فوراً وسحب قواتها من سورية، مشددة على أن عمليتها لن تسهم في إزالة مخاوفها بل ستؤدي إلى أضرار مادية وإنسانية واسعة النطاق. ودعت الصين إلى احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها، معتبرة أنه على المجتمع الدولي أن يتفادى دائماً المزيد من عوامل تعقيد الوضع.

الكويت: العملية العسكرية التركية تهدد أمن المنطقة

أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية، أن «العمليات العسكرية التركية شمال شرقي سورية تعد تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في المنطقة، وتصعيداً من شأنه أن يقوض فرص الحل السياسي الذي يسعى إليه المجتمع الدولي، الذي حقق أخيراً تقدماً ملموساً بتوصل المبعوث الدولي الى تشكيل اللجنة الدستورية، التي ستحدد مستقبل الشعب السوري».

ودعا المصدر «جميع الأطراف إلى الالتزام بضبط النفس، والبعد عن الخيار العسكري، حتى لا تنزلق الأوضاع الى ما يضاعف المعاناة الإنسانية لأبناء الشعب السوري الشقيق، وحتى يتحقق الحفاظ على استقلال وسيادة سورية وسلامتها ووحدة أراضيها».