يعد المرحوم حمد عبدالله الصقر من أبرز رجالات أسرة الصقر في أوائل القرن العشرين من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وقد تمثلت ذروة نشاطه السياسي في تسلّمه رئاسة مجلس الشورى الذي أسس سنة 1921م، وكان اختياره لهذا المنصب دليلاً على علو مكانته الاجتماعية في الكويت.

وتحدث المؤلف د. فيصل عادل الوزان في الكتاب، وهو من مطبوعات مركز البحوث والدراسات الكويتية 2019، عن نشاط حمد الصقر في المجال الاقتصادي، وعن كونه المؤسس الرئيس لشبكة تجارية تجاوزت محيط الكويت إلى الموانئ المطلة على المحيط الهندي وبحر العرب، وامتلاكه أسطولا من السفن الشراعية، لنقل التمور من أملاكه الواسعة في جنوب العراق، وتعود محملة ببضائع تلك البلاد، ليتم تصريفها مرة أخرى في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، ومن هنا جاء لقب «ملك التمور» الذي أطلق عليه.

Ad

ومن خلال تتبع السيرة الذاتية للمرحوم حمد الصقر يرصد المؤلف سجلا لمرحلة مهمة من تاريخ الكويت الاقتصادي، معززا بالوثائق الكاشفة عن أحداث ونشاطات وشخصيات لا تتيحها لنا كتب التاريخ أو التقارير البريطانية التي تعود الباحثون على الرجوع إليها في أبحاثهم، وهذا الكتاب هو القسم الأول من دراسة وثائق أسرة الصقر.

وكان حمد تاجرا وسياسيا ومربيا عاش في فترة انتقالية مهمة من تاريخ الكويت الحديث والمعاصر، حيث عُد أحد أهم تجار النقل البحري «تجارة السفر» في الكويت والخليج العربي، وكان يشكل مع أخويه صقر وأحمد وأبنائهم كتلة تجارية أساسية في الكويت قادت مع غيرها، ما يمكن تسميته النهضة الاقتصادية الثانية في تاريخ الكويت في الثلث الأول من القرن العشرين.

وهذا الكتاب الذي جعله المؤلف في ١١ فصلاً لا يخدم التاريخ التجاري فقط، بل يفيد تخصصات تاريخية أخرى، كتاريخ اللغة واللهجة المحلية والقانون وعلم الإدارة والعلاقات العامة والمحاسبة، بما فيه من الوثائق العديدة المودعة والمشروحة من مراسلات وعقود ودفاتر.

كما أن صور الوثائق والأخبار والروايات الموثقة في الكتاب والمراجع التاريخية والعربية والأجنبية منحته قوة في التوثيق وصدقا في الرؤية، وفيما يلي تفاصيل الحلقة الثامنة.

تكشف وثائق المرحوم حمد الصقر الشخصية عن رجل في غاية التنظيم والوعي والحرص، حيث كان يسجل كل ما يتعلق بمصروفاته الخاصة، وتقاريره الصحية التي سمعها من الأطباء الذين زارهم.

ولعلنا نقدم نموذجا لبعض الوثائق التي توضح اهتمامه بتسجيل إنفاقه الشخصي خلال بعض رحلاته.

سافر المرحوم من البصرة إلى الهند، وتنقل في كراجي (تقع في الهند سابقا، وباكستان حاليا) وبوربندر وبومبي بتاريخ 14 سبتمبر 1928م، أي قبل سنة ونصف السنة من وفاته، ورجع بتاريخ 20 أبريل 1929م، حيث قضى 6 شهور تقريباً، وخلال رحلته التزم بكتابة مصروفات بشكل دقيق.

وقد كان يكتب كل مصاريفه تقريبا حتى لو كانت بالآنات، علما بأنه كان أحد أغنى الكويت، وهي تؤكد ايضا أنه لم يكن مبذرا أو بخيلا، كل شيء لديه بقدر كان جدوله في الدفتر المسطور يتكون من 4 أعمدة: للمبلغ، والحالة من صرف أو قبض، وماهية الخدمة أو البضاعة المصروف عليها، والتاريخ. إن الجانب الآخر من أهمية هذه المعلومات هي أنها تعطي تصورا عن أسعار الخدمات والبضائع الأساسية في ذلك الزمن.

وثيقة عدسانية تنص على جعل حمد الصقر وصيا من قبل المرحوم راشد بن محمد بن نصف على أمواله وتقسيم تركته، حررت بتاريخ 3/ 12/ 1339هـ

ومن الخدمات والبضائع التي سجلها في دفتره على سبيل المثال: وجبات الطعام خلال الرحلة من البصرة الى كراجي (20 روبية)، إكرامية لشخص في المركب أسماه «البطريل» (4 روبيات)، وفي كراجي دفع مصروفات لـدفتر كوبيا وريشة ومناشف (2 روبية و15 آنه)، أجرة تلغراف الى السعد وكيله في بومبي (15 آنه)، تكت بوسطة (طوابع) (1 روبية) أقلام (5 روبيات)، مسطرة لأجل المكاتيب (1 روبية و12 آنه)، صدقة بيد فقير (5 روبيات) فوطة وصابون (2 روبية)، تحسونة (حلاقة) (10 آنات)، جوتي (حذاء) (6 روبيات و8 آنات)، أجرة كاري (عربة تجرها دابة) (8 آنات)، ترام (6 آنات)، لحاف (جادر فراش) (3 روبيات)، موقد كاز (جولة)، وهي هدية لوكيله في بوربندر محمد السعد (4 روبيات و13 آنة)، وهدايا لوكيليه عبدالهي الحمد ومحمد الحمد (أخو خالد ربما) عبارة عن لباس دقلة كشمير (18 روبية و2 آنة)، وحذاء بعثه بطرد Parcel بـ7 روبيات و4 آنات)، أجرة غسيل لباس نوع دقلة كشمير (11 آنة)، 19 ونصف وار (ياردة) بافته للثياب مع أجرة خياطتهم (13 روبية و10 آنات)، جوارب (دلاقات) 2 روبية و6 آنات)، تصليح ساعة (1 روبية) دشداشتين بافته مع أجرة خياطتهم (5 روبيات) صويغ أي هدايا لعياله (24 روبية و8 آنات)، درزن فانيلات (7 روبيات)، صندوق (7 روبيات)، اسديريات (68 وربية و4 آنات).

رسالة من هلال فجحان المطيري إلى حمد الصقر بتاريخ 11/ 11/ 1345هـ

وأحيانا يرى حمد الصقر بعض المنتجات النادرة في أسواق الهند، فيتشري منها ويشحنها الى بيته في الكويت مع المسافرين الكويتيين، وكما يبدو من يومياته، اشترى المرحوم درزن تفاح وأرسله الى السيد مساعد، كما أنه اهتم بمظهره، حيث كان يذهب الى الحلاق من أجل (التحسونة)، وهي حلاقة شعر الرأس كل عشرة أيام.

وكان يستغل وجوده هناك لشراء مزيد من السفن، ويبدو أن الأولوية لديه كان لسفن الكويتيين المعروضة للبيع هناك، فيذكر في يومياته أن استأجر قاربا صغيرا (ماشوه) بقيمة روبية واحدة ليأخذه الى داخل البحر ليكشف عن بوم علي راشد، وفعل الأمر نفسه ليكشف على بوم يوسف العلي ومحمد رضا.

ومن الملاحظ كثرة شراء حمد الصقر للأوراق والمظاريف، وهذا يشير الى كثرة إرساله الرسائل، وهو أمر يقود الى استنتاج أهمية المراسلات لديه، لما تضمن له من معرفة بآخر الأخبار وأحدث الأسعار، كما تبقيه على صلة وثيقة بأصدقائه ومعارفه والمتعاملين معه.

وصل دفع اشتراكات من صاحب جريدة فتى العرب لحمد الصقر بمبلغ 60 روبية، 19 مارس 1927م

ونرى في دفتر يومياته أيضا إكرامياته لمن يقدم له الخدمات، أو يعمل لديه وصدقاته الى الفقراء، فقد أعطى على سبيل المثال سكرتيرا من موظفي وكيله الفضل بفرع كراجي إكرامية تبلغ 50 روبية ومبلغ 22 روبية لخدم بيت الفضل في بومبي، وخدم الفضل بكراجي 30 روبية، ودفع صدقات لفقراء أكثر من مرة منها 5 روبيات و2 روبية.

رحل حمد الصقر من كراجي الى بوربندر في 20 فبراير 1929م، ومن بوربندر رحل الى ميناء قريب منه وهو براول في 14 مارس من السنة نفسها، ثم رجع الى بورنبدر في 17 مارس، حيث دفع قيمة تذكرة الركوب (تكت) 4 روبيات و8 آنات، وفي 11 أبريل 1929م سافر من بوربندر الى بومبي، وفي 20 أبريل من السنة نفسها رحل من بومبي الى كراجي مرة أخرى.

قيد مصاريف حمد الصقر كتبه أحد أبنائه في يونيو1929م

وكل ذلك مع تقييد تاريخ الشراء، وقد بلغ إجمالي مصاريفه 669 روبية و5 آنات خلال الشهور الستة التي قضاها في الهند.

تدريب ابنه على تقييد المصاريف

هناك وثيقة كُتبت في محرم 1348هـ من أحد أبناء حمد الصقر ولحسابه، ويبدو أن حمد الصقر درب ابنه على الحرص على الأموال وتقييد المصاريف مهما كانت زهيدة الثمن، ويتضح فيها بعث تلغراف لتعزية السيد خلف والسيد حامد، ولعلهما من أسرة النقيب.

اهتمامه بالقراءة والشعر والصحافة

وفيما يتعلق بالمطالعة والقراءة، تخبرنا إحدى الوثائق عن اشتراك المرحوم حمد الصقر بجريدة «فتى العرب» التي كانت تصدر في دمشق، وهي جريدة يومية تبحث في السياسة والاجتماع. وهذه الوثيقة تظهر آلية الاشتراك والدفع والتوزيع في فترة العشرينيات من القرن الماضي، حيث حضر مندوب اسمه فوزي النعال إلى الكويت، ومكث فيها 10 أيام، ولم يكن حمد الصقر موجودا، كتب المندوب رسالة للصقر يطالبه بتسديد الاشتراكات المتراكمة منذ سنتين (1342 - 1344هـ)، وأن يرسل المبلغ الى الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، الذي بدوره سيسلمه المبلغ. وأوضح أن المبلغ الإجمالي لأعداد السنتين هو 60 روبية، وهو مبلغ كبير.

الصفحة الأولى من قيد مصاريف حمد الصقر الشخصية في رحلته للهند سبتمبر 1928م

وفي هذه الوثيقة يظهر أن المرحوم حمد الصقر قد دفع مبالغ الاشتراكات، وبهذا يتبين لنا اطلاع حمد الصقر على أفكار وآراء أبرز مفكري الأمة العربية في مطلع القرن العشرين، وكان على دراية بأفكار ونشاطات القوميين العرب الأوائل، وهو أمر ترك بالغ الأثر على أبنائه من بعده، خصوصا عبدالله وجاسم، اللذين سينضمان لاحقا الى هذه الحركة ويسهمان في نشاطاتها اسهاما مؤثرا.

وكان للمرحوم حمد الصقر اهتمام بالشعر أيضا، فمن بين الكتب التي اقتناها ديوان الشاعر النبطي الكويتي والنوخذة والتاجر المرحوم حمود ناصر يوسف البدر (1870 - 1915م)، وهو ابن خال حمد الصقر في الوقت نفسه.

وبحسب رواية المرحوم محمد ثنيان الغانم، فإن حمد الصقر كان يضع الكتاب في صندوق مخصص لأدوات التعليم، وأن محمد الغانم رأى الكتاب فأخذه وأبقاه لديه في بيته، ثم رأت الديوان أمه بزة الصقر، وهي أخت حمد الصقر الكبرى، وكانت تحب الشعر النبطي أيضا، فأخذت الكتاب منه وبقي عندها، وبعد ذهاب محمد ثنيان الغانم الى البصرة ضاع الكتاب، ويصف الغانم الديوان بأنه كتاب متوسط الحجم (وسطي).

علاقاته بالمجتمع

كان المرحوم حمد الصقر موضع ثقة أهل الكويت، لما شهدوه من حسن سيرته وأمانته ومبادراته ومسؤوليته تجاه المجتمع، وقد بلغت هذه الثقة أن أوكلت بعض الأسر مهمة الوصاية على القصّر إليه، كما أسندوا إليه مهمة الإنفاق من ثلث أحد المتوفين على أعمال الخير.

فكما جاء في إحدى وثائق أسرة الصقر، التي نشرها د. عبدالله الغنيم، أقر كل من السيد يوسف بن أحمد النصف والسيد راشد بن ناصر بن نصف بوصية السيد راشد بن محمد بن راشد بن نصف بأن يكون السيد حمد بن عبدالله الصقر وصيا على أموال الأخير بعد وفاته، حيث إنه المسؤول عن قبض بضاعته وأملاكه وبيعها وتقسيم الأموال على الورثة.

موزة ومريم النصف توكلان الصقر

وفي إحدى الوثائق التي نشرها الغنيم، شهدت والدة راشد بن محمد النصف، وهي موزة بنت عبدالله بن نصف وزوجته مريم بنت يوسف النصف بأنهما وكلتا الحاج حمد بن عبدالله الصقر بأن ينفق الثلث الموصى به على عمارة المساجد، وبخاصة مسجد النصف، وهما مؤرختان في 8 و9 أغسطس 1921م أن هاتين الوثيقتين تدلان بوضوح على قوة العلاقة التي جمعت بين أسرة النصف وأسرة الصقر.

وارتبط حمد الصقر بعلاقات صداقة وثيقة مع كثير من الكويتيين وغير الكويتيين، ويتبين من المراسلات العديدة التي كان المرحوم يتبادلها مع أصدقائه انه كان لا يبخل بالنصح ولا بتقديم الأخبار التي تخص السوق العالمية والأوضاع السياسية، خصوصا في أوقات الأزمات، فمن المراسلات المحفوظة تلك التي أرسلها من الهند هلال فجحان المطيري لحمد الصقر سنة 1927م ينبئه فيها عن سوء حال سوق اللؤلؤ وعدم قدرته على إيجاد مشترين. ويسدي النصيحة الى صديق مشترك فيما يتعلق بقرار البيع والشراء.

* جامعة الكويت قسم التاريخ

===============================

==================

===========================

كوتات///

* المرحوم حمد الصقر كان موضع ثقة أهل الكويت لما شهدوه من حُسن سيرته وأمانته ومبادراته ومسؤوليته تجاه المجتمع

* إحدى الوثائق تشير إلى اشتراك المرحوم حمد الصقر بجريدة «فتى العرب» التي كانت تصدر في دمشق

* في الوثائق ما يثبت اطلاع حمد الصقر على أفكار وآراء أبرز مفكري الأمة العربية في مطلع القرن العشرين ودرايته بأفكار ونشاطات القوميين العرب الأوائل

* كل شيء لدى الصقر بقدر، فجدوله في الدفتر من 4 أعمدة: المبلغ والحالة من صرف أو قبض وماهية الخدمة أو البضاعة المصروف عليها والتاريخ

صداقة الصقر مع الشيخ عبدالله بن خلف

من أصدقاء المرحوم حمد الصقر أيضا الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان، حيث إنه كان إمام مسجد البدر الذي يقع في الحي نفسه الذي يسكنه، وهو الحي القبلي، وهذا يعني أنهما كانا جارين.

وكان حمد الصقر يستشير الشيخ الدحيان في الشؤون المهمة، كما حدث واستشاره في إنشاء مدرسة نموذجية لتربية الأطفال، والشيخ عبدالله هو الذي قام بكتابة وصية صديقه حمد قبل أن يتوفى، وهو من قسم أيضا التركة، وفي إحدى الوثائق نقرأ أن الحاج مرزوق بن داود البدر ومشاري الحسن البدر اللذين هما من أقرب الناس إليه دارا وجوارا ورحما.

وكان حمد الصقر من رواد ديوانية المزيد، حيث كان يحضرها بعد صلاة الفجر، ومن جيرانه أيضا بيت السميط الذين تزوج من ابنتهم سبيكة بنت محمد السميط، إضافة الى بيت البرجس والنجادة والحمد والغنيم.

واستضاف الصقر أيضا التاجر النجدي المشهور مقبل بن عبدالرحمن الذكير، حيث جلس في الكويت لدى الصقر مدة 10 أيام، ثم سافر الى البحرين ليمارس التجارة.

الصقر اشترك في الجمعية الزراعية الملكية في البصرة

اشترك الصقر أيضا في الجمعية الزراعية الملكية في البصرة، لينضم الى كوكبة من ملاك الأراضي الزراعية والمسؤولين عنها، وذلك كما تبين بعض الوثائق، مثل وصل اشتراك بقيمة 50 روبية، ودعوة لحضور اجتماع مهم بخصوص موسم حصاد التمور.