يبدو أن أجواء المصالحة الخليجية الإيرانية، وخاصة في بعدها السعودي باتت أقرب من أي وقت مضى خلال السنوات العشر الماضية، مما قد يفتح آفاقاً جديدة لمستقبل المنطقة لم تكن معهودة في السابق، الرسائل المتبادلة بين المسؤولين في السعودية وإيران، وإن غلب على بعضها عبارات قاسية، يعكس مضمونها رغبة مؤكدة على الحوار المباشر الذي لن يستثني الملفات الإقليمية خاصة اليمن والعراق وسورية، وما تبقى من كلمات العتب ليس سوى فضفضة اللحظات الأخيرة التي تسبق المصافحة والمصالحة.

قد يكون للجهود الدبلوماسية التي مارستها كل من فرنسا والباكستان والعراق دور مهم في إقناع طرفي التوتر للجلوس معاً، إلا أن الواقعية السياسية والتطورات الميدانية تفرض نفسها على حتمية إنهاء الصراع، خاصة من الجانب الخليجي الذي خسر الرهان على سورية، وانقلبت موازين الحرب في اليمن ضد توقعاتها وأهدافها ونيران الحرب إلى عمق أراضيها، والأهم من ذلك خذلان الحليف الأميركي المعهود بعدما شفط مئات المليارات من الدولارات عبر التأجيج المصطنع واستدراج الخليج وايران إلى دائرة التصعيد المتنامي، بعدها أعلنت الحكومة الأميركية أنها غير مستعدة لأي حرب مع إيران، كما همشت البعد الاستراتيجي لمضيق هرمز كممر آمن لإيرادات الطاقة، ولم تحرك أي ساكن بل لم تنذر حكومات المنطقة بسلسلة الهجمات العسكرية على مصالحها الحيوية رغم زعمها بأنها تسيطر استخباراتياً على سماء المنطقة بالكامل وبتفوق خيالي، وأخيراً بدأت بحزم حقائب جنودها من القواعد الخليجية مستهلة بذلك أكبر قواعدها في العالم في عيديد بقطر.

Ad

هذه المعادلة الصفرية أوصلت حكومات الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية، إلى قناعة بعدم الاستمرار في الطريق الصلب والتفكير جدياً بالبدائل الدبلوماسية المرنة لأنها لم تجن أي مكاسب سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية بل العكس تماماً، الإيرانيون بدورهم ورغم النقاط الإيجابية التي سجلتها دبلوماسيتهم والمكاسب التي حققها حلفاؤهم على الأرض، يدركون أن معركتهم الأهم ليست مع السعودية وبقية دول الخليج، إنما مع الولايات المتحدة وخصوصا فيما يخص الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي لا يمكن التكهن بتداعياتها المستقبلة وتأثيرها على الداخل. ولذلك فإن طي صفحة الخلاف مع الخليج يمكنها من التفرغ للعلاقات مع الولايات المتحدة، التي لا يستبعد أن تكون الكثير من مواقفها في الخليج بمثابة إشارات لجلب الإيرانيين إلى طاولة الحوار مجدداً بدلا من الإقرار بفشل سياسة تمزيق الاتفاق النووي، والتراجع عنه بالكامل، باعتبار ذلك إذعاناً بخطأ جسيم واستصغارا للكبرياء الأميركي. نأمل أن يكون سيناريو السلام هو الأرجح، ولكن الأسى على ما تم إنفاقه من أموال خيالية تصل إلى أكثر من تريليون دولار من المعدات الحربية والدمار الذي يحيق بالكثير من الدول والشعوب العربية، والتي لو صرفت في الاتجاه التنموي الصحيح لكنا أفضل بقعة في العالم الذي يشهد أعلى حالات الانكماش الاقتصادي!