ماذا يقترح أصحاب "سيادة الدولة" المطلقة على أراضيها إذا كانت هذه الدولة عاجزة اقتصادياً، ولا تستطيع توفير أبسط فرص العمل لمواطنيها؟! فأي سيادة وأي أمن تتحدثون عنهما إذا كانت الميزانية مفلسة والدولة عاجزة مالياً؟ أيضاً كيف ترى صحافة "الدروشة" الانتهازية حين وضع مُلاكها على رؤوسهم عمائم التقوى والتزمت، وأخذوا يحذرون من دمار القيم والعادات والتقاليد الدينية إذا بدأت الدولة مشروعاً لتوفير مصدر رديف للدخل القومي، كالاستثمار الأجنبي فيها، وفتح أبواب السياحة، بعد تهاوي أسعار النفط وزيادة نفقات الدولة بصورة مرعبة؟

الكلام هنا موجَّه عن نقد مشروع تطوير المنطقة الشمالية، سواء أسميناه "طريق الحرير"، أو تفعيل خطة 2035 التنموية لسمو الأمير، أو غير ذلك. فمن ناحية، ممكن قبول وفتح النقاش حول المشروع بعد تعديله الحكومي الأخير، بل هذا يُعد ضرورة لإثراء المشروع، وسد أبواب النقص المحتملة. لكن، من ناحية أخرى، ما لا يمكن قبوله وتجرعه، هو أن تطلق عبارات فضفاضة عن سيادة الدولة على أراضيها وخروج المشروع عن الرقابة المالية، ووصفه بعبارات لا يُراد منها غير قبر المشروع والانتقاص من أصحابه، أو حين يكون نقد المشروع مجرَّد واجهة وغطاء للنيل من شخص وزير الدفاع الذي تكفل طرحه ورعايته، بعد أن قام هذا الوزير، وعلى خلاف النهج الحكومي المعتاد، بكشف بعض ثقوب الفساد الكبيرة في مؤسسات الدولة، مثل تشكيل لجنة التحقيق بصفقة يوروفايتر، أو حين أعمل حكم القانون في المسؤولية التقصيرية لمن تسبب بأضرار مادية كبيرة في أموال الدولة.

Ad

هذا المقال منحاز للشيخ ناصر، ليس بحُكم علاقة صداقة قديمة لكاتبه مع وزير الدفاع، بل بحُكم أننا وجدنا، أخيراً، طاقة صغيرة لأمل التغيير نحو القادم، بعد أن أُصبنا بيأس ثقيل من المراوحة في المكان ذاته للفشل السُّلطوي للحكومة منذ سنوات طويلة، وبعد أن سئمنا وعود التغيير التي تطلقها القوى النافذة في الحكومة، ثم تتراجع عنها، أو تقفل عليها في أدراج النسيان واللامبالاة، لغياب المحاسبة الجادة.

هناك الكثير الذي يمكن قوله، سواء في دعم أو نقد مشروع تطوير المنطقة الشمالية، بعد أن وصل السكين للعظم في الوضع المالي للدولة، لكن التذرع بمبدأ السيادة، مثلاً، دون النظر لوضع دول أخرى، مثل الصين وهونغ كونغ (سيادة واحدة للدولة الصينية وبإدارة منفصلة وقوانين مختلفة) لا يجوز أن يكون سبباً لوأد المشروع. كذلك يصعب تجرع حجج قوى انتهازية وجدت فيه فرصة لتصفية حسابات قديمة مع وزير الدفاع، ليتكم تصمتون.