"وزارة الصحة محرقة الوزراء". أطلق د. غازي القصيبي، رحمه الله، هذا الوصف المعبر على هذه الوزارة التي يضطر العامل فيها لملاقاة كل أفراد المجتمع مهما اختلفت هوياتهم وأجناسهم وظروفهم ومشاربهم، الوزارة التي لا يمكن لأحد أن يصل بمستواها إلى حد الرضا والقبول بين الناس مهما بذل من جهد، الوزارة التي تستقبل المواطن وهو في بطن أمه وتظل معه طوال حياته ثم تسلمه يوم وفاته، فهي وزارة يرتبط بها الإنسان حقاً من المهد إلى اللحد، فكيف تنجح هذه الوزارة إذا لم يبذل القائمون عليها جهوداً خارقة وفوق المعتاد لكسب ثقة المجتمع في نشاطها وأدائها؟

حتى تنجح هذه الوزارة في رسالتها للمجتمع والناس لا بد أن يتوافر فيها بيئة عمل لائقة تشجع المنتسبين إليها على إخراج كل ما في جعبتهم من خدمة وإبداع وتفانٍ، سواء من الجهاز الطبي أو الفني أو الإداري المساعد، فهم ثلاثي نجاح هذه المؤسسة، وإذا استطاعت قيادة الوزارة أن تشيع العدالة والإنصاف والتواصل السليم بين أبنائها فبإمكانها أن تنطلق بشكل فعال لتطوير خدماتها الطبية المختلفة، فهل هذا هو الواقع داخل الوزارة اليوم؟

Ad

بعيداً عن الفساد الإداري والمالي الذي استنزف الوزارة في عهد بعض الوزراء والوكلاء السابقين، وبعيداً عن فاتورة العلاج السياحي التي تصرف بالحق والباطل "وبذمة من يعتمدها" فإن وزارة الصحة تحتاج إلى إقامة مؤتمر محلي يحضره أطباؤها فقط، ومن كل التخصصات ليناقشوا أوضاع وزارتهم عامة وأوضاعهم المهنية خاصة، ويواجهوا القيادات بمطالبهم ورؤياهم لتحسين أوضاع الخدمات الصحية، وتمكينهم من حقوقهم الإدارية بعيداً عن المحاباة والواسطة والشللية التي أفسدت مؤسسات الدولة، وما الصحة عنها ببعيد.

تحتاج وزارة الصحة إلى وضع استراتيجية وطنية واضحة ومعلومة لتطوير العمل الصحي لا تستند إلى زيادة المباني والأسرّة فقط بدون تشغيل فعلي كما نشاهده في المنشآت الجديدة كمستشفى الجهراء ومستشفى جابر، وما سيليهما من عمارات صحية خالية، إنما ترتكز على الارتقاء بجودة الرعاية الأولية في المستوصفات وسرعة استجابة المراكز التخصصية وعيادات الحوادث ومواعيد العمليات وحسن اختيار الأطباء الوافدين، وضمان توفير الأدوية والمعدات الطبية الكافية والتوعية المجتمعية الرائدة.

إن العمل الطبي يحتاج بشكل عاجل جداً إلى إقرار قوانين جديدة لمزاولة المهنة والأخطاء الطبية لتوفير غطاء قانوني متين يحمي اجتهادات الطبيب المبنية على علمه وخبرته ودراسته، ويضمن سلامة وحقوق المرضى في مواجهة الوزارة بدلاً من الوضع الحالي، حيث نرى الجميع يتقاذف المسؤوليات عند حدوث الحالات الحرجة، وغالباً ما يكون الطبيب هو ضحية هذه الأوضاع الضبابية.

د. باسل ما أثقلها من أمانة أن تكون مسؤولاً عن الملايين في البلد، ولن تستطيع حملها إذا لم تكن وزارتك في صفك، وقياداتك محل ثقتك، والأطباء الى جانبك، فأنت في خدمة وطن ورعاية بشر، لا في مباراة كرة قدم أو انتخابات جامعية، فاستمع للناصحين واعلم أن المنصب لن يدوم لك، والله الموفق.