لم يكن عبدالوهاب الساعدي ضابطاً عادياً في الحرب الطويلة ضد تنظيم داعش، ولذلك لم يكن ممكناً أن تمر أوامر نقله إلى دائرة الأمرة أو المحاربين مرور الكرام، فقد أُثير الرأي العام الشعبي من الشمال ذي الأغلبية السنية حتى الجنوب الشيعي؛ استنكاراً لقرار الحكومة بنقله إلى دائرة مهمشة من موقعه كقائد كبير في قوات النخبة والكوماندوز التي كانت رأس الحربة خصوصاً في تحرير مدينة الموصل قبل عامين.

وظهر الفريق الركن الساعدي كضابط مهني يكافح خطاب الكراهية الطائفية، وتمكّن مع جنوده من استعادة هيبة الجيش بعد انهياره أمام تنظيم داعش عام ٢٠١٤، ويرى المراقبون أن سلوكه المتضامن مع المدنيين في الحرب أعاد إلى حد كبير صياغة العلاقة بين القوات المسلحة والجمهور السني، الذي كان مرتاباً من النظام السياسي برمته، ومثقلاً بأعباء المعاملة الخشنة من الجيش منذ سقوط نظام صدام حسين.

Ad

وغرقت وسائل الإعلام المحلية بشائعات وتفسيرات تحاول فهم توقيت تنحية الساعدي عن منصبه، في وقت تحدث العراقيون عن تدخل إيراني أو ميليشياوي ضد ضابط يعزز صورة القوات النظامية مقابل الفصائل غير المنضبطة بالقانون، ووصل الأمر إلى درجة تحدث الناس عن الساعدي كضابط منقذ يريد أن ينقلب على طبقة سياسية متهمة بالفساد، مستعيدين أحياناً صورة الانقلابات العسكرية التي حاولت دعم الطبقات الفقيرة عبر إطاحة أنظمة «الباشوات» في العهد الملكي.

وحاول رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي صباح أمس معالجة الموقف بتوضيح خلال لقاء مع الصحافة بثت مقتطفات منه، لكنه كما يبدو زاد الطين بلة، إذ قال إن الضباط عليهم تنفيذ الأوامر، مهما كانت، منتقداً اتصالات ألمح إلى أن الساعدي أجراها مع سفارات أجنبية.

ورغم أن عبدالمهدي يحاول منذ شهور تقوية المؤسسة العسكرية وجعلها مشرفة على قوات الحشد الشعبي شبه النظامية، فإن حديثه بهذا الشكل عن الساعدي أثار غضباً متزايداً بين الجمهور المتعاطف جداً مع مَن يعتبرهم أبطال الحرب ضد «داعش»، بل إن تعليقات صحافية تساءلت عن السبب في معاقبة ضباط مستبسلين، في وقت يبقى الساسة الذين أدت أخطاؤهم إلى سقوط مدن كبيرة بيد الإرهاب، بعيدين عن المساءلة والمحاسبة.

وحاول عبدالمهدي أن يؤكد أن كفاءة الساعدي تضمن له مكانة مشرفة في أي مكان، غير أنه لم يفلح في تبرير الخطوة التي رافقتها شائعات كثيرة، مثل أن الساعدي كان يخطط لانقلاب عسكري ضد حكومة فاسدة حسبما تناقل كثير من العراقيين الغاضبين على نظامهم السياسي.

إلا أن السجال المحلي في العراق استذكر كذلك خيبات الأمل العميقة والانتكاسات التي رافقت صعود شعبية العسكر خلال القرن الأخير، مشيراً إلى أن أمثال الساعدي من أبطال معارك التحرير لن يكونوا بالضرورة داعمين للقيم الدستورية والتعددية السياسية، وأن حماسة الجمهور لهم هي غضب بطعم الرغبة في الانتقام، لا يمكن أن يدعم جهود الإصلاح السياسي الصعبة في البلاد.