أُنقذ النظام القضائي في إسرائيل وتمكنت محكمة العدالة العليا من تفادي التعرض للهلاك، وحتى وسائل الإعلام تستطيع التنفس بقدر أكبر من الحرية والسهولة في الوقت الراهن، فنتنياهو يفقتقد 5 مقاعد من أجل تفكيك الوضع السياسي الإسرائيلي بصورة تامة، ومن الواضح أن هذا لن يحدث.

وقد تجاوز الوضع السياسي في إسرائيل كل التخيلات، وتمكن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان الذي كان في أسفل التركيبة السياسية في السنوات القليلة الماضية من الظهور في صورة صانع الملوك عبر مناورة بارزة مثيرة للجدل. وعلى افتراض عدم حدوث مفاجآت رئيسة سيبرز ليبرمان مثل الرجل الذي ألحق الضربة السياسية الأخيرة بنتنياهو، وهذا الشخص الذي خدم كمساعد مخلص لنتنياهو في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي قد تحول الى جلاد يطوق عنق رئيس الوزراء بحبل المشنقة السياسية.

Ad

الخلافات بين الرجلين استمرت طوال سنوات كثيرة ويوجه ليبرمان اللوم الى بنيامين نتنياهو لأنه رتب قضية ضد حزب إسرائيل بيتنا قبل انتخابات عام 2015 (واتهم فيها كبار مسؤولي الحزب بالفساد) وقد تم دحض هذا الاتهام ومعه أمل ليبرمان في أن يصبح رئيساً للوزراء في إسرائيل. وفي أعقاب ذلك وعندما عمل ليبرمان وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو عطل رئيس الوزراء كل مبادرات ليبرمان كما أنه مضى في الحملة الأخيرة الى حد محاربته بعنف.

في غضون ذلك، بذل حزب الليكود كل جهد ممكن واستثمر ما أمكن من الأموال في محاولة لكسب أصوات الإسرائيليين الروس بغية طرد ليبرمان من مناطقهم، ولكن تلك المحاولة انتهت الى الفشل، والآن جاء دور ليبرمان للرد على تلك الخطوة.

الخريطة السياسية

وأصبحت الخريطة السياسية في مأزق حاسم، وبعد فرز 92 في المئة من أصوات الناخبين أظهرت النتيجة أن نتنياهو خسر تسعة مقاعد في حين خسر حزب أزرق أبيض 3 مقاعد، وهذا يحول دون قدرة الطرفين على تشكيل حكومة مع شركاء طبيعيين، وفي مثل هذه الظروف يتمثل الحل بشكل واضح في تشكيل حكومة وحدة، ولكن المشكلة في هذه الحالة هي أن حزب أزرق أبيض كان قد أعلن أنه لن يجلس مع نتنياهو في ظل الوضع الراهن، وربما كان المخرج من هذا المأزق يتمثل في تشكيل حكومة تناوب أو مداورة، وسيطلب ححزب أزرق أبيض أن يترأس الحكومة أولاً، وبكلمات أخرى سيصبح بيني غانتز رئيساً للوزراء في أول عامين ثم يعقبه بنيامين نتنياهو.

والمشكلة في هذا الحل أيضاً تكمن في عدم وجود فرصة لأن يوافق نتنياهو عليه، لأنه يعني نهاية حياته السياسية، ويسمح القانون الإسرائيلي لرئيس الوزراء فقط بالاستمرار في العمل خلال محاكمة جنائية في حين يتعين على الوزير التقدم باستقالته بمجرد تسلمه لائحة اتهام، ولهذا السبب إذا لم يكن نتنياهو الأول في ترؤس الحكومة في المناوبة فسيضطر الى الاستقالة من منصبه بمجرد تلقيه لائحة اتهام (وهو ما يحتمل أن يحدث بعد شهرين أو ثلاثة أشهر)، وبكلمات أخرى هذا يعني نهاية بنيامين نتنياهو.

تبدد سحر نتنياهو

وقد تبدد سحر نتنياهو في الأسبوع الماضي، وقال الشعب الإسرائيلي له "هذا يكفي" مع علامة (x) ضخمة عملاقة على صورته، كان نتنياهو هو الرجل الذي قدم لنا الكثير من الخدمات، وفي الأيام الأخيرة ولأول مرة منذ أن أصبح رئيساً للوزراء طرح نتنياهو إشارات مثيرة للقلق عن انعدام المسؤولية في الساحة الأمنية والدفاعية، كما أعلن نيته ضم وادي الأردن من دون إجراء نقاش من أي نوع من المشاورات مع مسؤولي الدفاع أو الحكومة الإسرائيلية.

وتجدر الإشارة إلى أن نتنياهو، وفي الأسبوع الماضي نفسه، كاد أن يجر البلاد إلى حرب من وراء ظهر نظام الدفاع أو تفويض من الحكومة الإسرائيلية، وقد وصلت حال عدم الثقة بين رئيس الوزراء وجماعة الدفاع الى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وفي يوم الانتخابات الأخيرة انتهك القانون بصورة واضحة عدة مرات عندما سمح لنفسه بأن يجري مقابلات مع الإذاعة التي تعرف بميولها اليمينية، وتصرف نتنياهو مثل غريق يتعلق بقشة وهو في طريقه إلى القاع، ولكن حتى هذه الطريقة لم تسعفه، ولم يعد لديه ما يقدمه للمواطنين.

رجال الإنقاذ

يوجد رجلان يستطيعان إخراج إسرائيل من محنتها التي عانتها طوال الأشهر التسعة الماضية من الفوضى السياسية:

الأول هو ليبرمان الذي أوضح أخيراً أنه لن ينضم إلى حكومة يمينية ولا إلى أي حكومة أيضاً، وقد أدرك ليبرمان أن غانتس بدأ بإرسال إشارات إلى الأحزاب المتطرفة في محاولة للحصول على خيار من أجل تشكيل حكومة ضيقة ترغم حزب الليكود على الانضمام الى حكومة وحدة، ولكن على شكل شريك أضعف. وإذا قرر غانتس حقاً المضي في هذا المسار فقد يفقد ليبرمان، إذاً إنه حقل ألغام شديد الخطورة وربما يدفع ليبرمان الى العودة الى جماعة اليمين في نهاية المطاف.

الشخصية الرئيسة الثانية هي الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين الذي يتحكم الآن تماماً بمصير نتنياهو، وهو ما لا يريده على الإطلاق، ويتشاطر الرجلان كراهية شديدة، وقد فعل نتنياهو ما في وسعه من أجل منع ريفلين من الوصول الى منصب الرئاسة. والسؤال الآن هو: هل يفعل ريفلين ما في وسعه من أجل منع نتنياهو من العودة الى منصب رئاسة الوزراء؟ ذلك أمر غير واضح حتى الآن، والواضح أن ريفلين سيبذل كل جهده لمنع نتنياهو من تدمير ديمقراطية إسرائيل، كما سيدفع نحو تشكيل حكومة وحدة وإحباط محاولات نتنياهو لاجتذاب شركاء محتملين في مواجهة رفض من جانب حزب أزرق وأبيض للانضمام الى حكومة برئاسة رئيس وزراء يواجه محاكمة جنائية.

وعلينا أن نضيف الى هذه المجموعة ماندلبليت الذي سيقرر في الشهر المقبل ما إذا كان سيتم تسليم لائحة الاتهام أو تخفيفها أو تأجيلها، وينتمي ماندلبليت إلى المجموعة التي تنفست الصعداء بعد الانتخابات الأخيرة وكان الرجل المطلوب بشدة من قبل نتنياهو أيضاً.

* بت كاسبت

* «المونيتور»