قد تصبح الاعتداءات على المنشأتَين النفطيتين السعوديتَين في منطقة بقيق نقطة تحول في العلاقات الإقليمية والدولية. تكثر الأسئلة العالقة حتى الآن، إذ أنكرت إيران رسمياً مسؤوليتها عن الحادثة، لكن يبقى احتمال تورطها بدرجة معينة قائماً، وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة، تتعدد التداعيات الجيوسياسية الخطيرة التي تستحق التقييم.

في هذه المرحلة، يجب أن يفهم الجميع أن وضع المراوحة في المنطقة غير قابل للاستمرار. كان "الصبر الاستراتيجي" الإيراني على العقوبات الاقتصادية، غداة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، يهدف إلى إعطاء أوروبا فرصة أن تمنح إيران المكاسب الاقتصادية التي يَعِد بها ذلك الاتفاق، لكن لم تُحقق هذه الطريقة النتائج المنشودة. عجزت أوروبا عن تخفيف العقوبات بعد سنة من المحاولات المستمرة، لذا تلاحظ إيران راهناً أن مكانتها تتراجع، تزامناً مع تدهور الوضع الاقتصادي ومن دون إحراز أي تقدم دبلوماسي مهم، ولا يمكن أن تسمح باستمرار هذا الوضع من دون تحريك أي ساكن.

Ad

على الرئيس ترامب أن يقيّم مسائل متعددة قبل الرد على الوضع القائم، فمن جهة قد يطلق حرباً لا يريدها وتُخالِف وعوده الانتخابية إذا تحرك، ومن جهة أخرى قد يُعتبَر ضعيفاً وفاشلاً إذا لم يتحرك، وفي الحالتين تدرك طهران أن ترامب يتعرض لضغوط شديدة بسبب الحملة الانتخابية المرتقبة في عام 2020، وتستغل هذا الوضع للرد على الضغوط الأميركية. مثلما زادت واشنطن الضغوط الاقتصادية على صادرات النفط، تزيد طهران بدورها نقاط الضعف الأميركية، لا سيما رفض الناخبين أي حرب جديدة في الشرق الأوسط.

في الوقت الراهن لا يزال موقف ترامب غامضاً، ويطرح هذا الغموض مجموعة من المخاطر أيضاً، فأعلن عبر تويتر أن الآلة العسكرية الأميركية "مقفلة ومحشوة بالذخيرة" رداً على ذلك الاعتداء، لكنه أكد لاحقاً أن الدبلوماسية لا تزال خياراً وارداً، ثم ذكر أنه أعطى الإذن بالإفراج عن احتياطيات النفط "حفاظاً على الإمدادات في الأسواق"، لكنه زعم في اليوم التالي أن الولايات المتحدة لم تعد تتكل على نفط الشرق الأوسط، فاستخف بذلك بآثار الاعتداء السعودي على أسواق النفط العالمية.

تنشر هذه الرسائل المتضاربة ارتباكاً في صفوف الحلفاء والأعداء معاً، ورداً على الاعتداء، دعا البعض إدارة ترامب إلى تشديد الضغوط على إيران، على اعتبار أنها لن تتراجع إلا إذا وجدت من يواجهها، لكن لم يحصل ذلك حتى الآن. بل أعطت استراتيجية "الضغوط القصوى" التي أطلقها ترامب نتائج عكسية: مع زيادة الضغوط المفروضة، اختارت طهران استراتيجيات تحمل مجازفات إضافية لأنها أصبحت يائسة وليس لديها ما تخسره.

بفضل الاتفاق الذي اقترحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويقضي بمنح إيران خط ائتمان بقيمة 15 مليار دولار، قد تتمكن جميع الأطراف من حفظ ماء وجهها. في وقتٍ سابق من هذه السنة أعلن المرشد الأعلى في إيران، آية الله خامنئي: "لن تندلع أي حرب، ولن نتفاوض مع الولايات المتحدة". تشكّل المبادرة الفرنسية مخرجاً فاعلاً لمنع تصعيد الوضع وتتماشى مع معايير خامنئي، كما أنها لا تفرض على الولايات المتحدة تخفيف العقوبات الاقتصادية، مما يسمح للأوروبيين بتولي دور القيادة.

سواء كانت إيران مسؤولة عن الاعتداء على المملكة العربية السعودية أو لم تكن كذلك، يشكّل هذا الوضع سيفاً ذا حدين بالنسبة إلى طهران: قد تتحسن مكانة إيران نتيجة ذلك الاعتداء، نظراً إلى الدلالات التي يحملها عن مستوى النفوذ الإيراني، قبيل المحادثات المحتملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن يرتفع في المقابل احتمال تصعيد الوضع، أو يتراجع على الأقل احتمال العودة إلى طاولة المفاوضات ورفع العقوبات في نهاية المطاف.

* مهسا روحي

*«الغارديان»