تزداد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة شبهاً بالانتخابات الأميركية المثيرة للجدل في عام 2000، فقد حصد حزب "أزرق أبيض" بقيادة بيني غانتس 33 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، متفوقاً بذلك على "الليكود" الذي يرأسه بنيامين نتنياهو واقتصرت مقاعده على 31، لكن لم تتّضح بعد هوية رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل.

حتى الآن تملك كتلة "الليكود" 55 مقعداً وتشمل أحزاب "يمينا" و"التوراة اليهودية الموحدة" و"شاس"، لكن تنقصها 6 مقاعد كي تحصل على الأغلبية التي تحتاج إليها لتشكيل الحكومة المقبلة (61 مقعداً). في غضون ذلك، تقتصر كتلة حزب "أزرق أبيض" بقيادة غانتس على 44 مقعداً وتحظى بدعم "الاتحاد الديمقراطي" وتحالف "حزب العمل– غيشر". تعهد نتنياهو وغانتس بعدم إدراج "القائمة العربية المشتركة" في تحالفهما، مما يعني أن مقاعدها الثلاثة عشر لن تُؤخَذ بالاعتبار. مع ذلك، قد يؤيد هذا الحزب غانتس لرئاسة الحكومة، حتى لو لم ينضم إلى التحالف، وفي هذه الحالة، سيحصل غانتس على 57 مقعداً، لكن ستنقصه 4 مقاعد لحصد الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة المقبلة.

Ad

سواء احتُسِبت مقاعد "القائمة العربية المشتركة" أو لم تُحتسَب، يبقى حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان (8 مقاعد) الطرف الحاسم الذي يحدد هوية رئيس الوزراء المقبل. سبق أن أعلن ليبرمان أنه لن يشارك إلا في ائتلاف يشمل حزبَي "الليكود" و"أزرق أبيض" معاً. هو يرفض المشاركة في أي ائتلاف آخر، ولا يريد التعاون مع أحزاب الحريديم والعرب. أعلن غانتس سابقاً أنه لن يتعاون مع "الليكود" إلا إذا استبدل أعضاؤه نتنياهو، لكن من المستبعد أن يتعاون معه الحزب لتحقيق هذا الهدف، ولن يرغب أيضاً في الاتكال على العرب لتولي رئاسة الحكومة. كذلك، أعلن نتنياهو الآن أنه ينوي العمل ككتلة متحالفة مع أحزاب الحريديم وحزب "يمينا" الذي ترأسه إيليت شاكيد ويعادي ليبرمان بسبب رفضه التعاون مع أحزاب الحريديم.

ما لم يتعلم أحد الأطراف التنازل، قد تحصل انتخابات ثالثة، وحتى لو تشكلت حكومة ائتلاف بين "الليكود" و"أزرق أبيض"، فضلاً عن حزبي "يمينا" والحريديم (لن تكون هذه الحكومة فاعلة إلا جزئياً)، لا مفر من التساؤل عن مدة صمود حكومة مماثلة. عبّرت أحزاب متديّنة أخرى عن اعتراضها على التعاون مع "يش عتيد" بقيادة يائير لابيد، وهو حزب وارد على اللائحة نفسها مع غانتس، مع أنها قد تفكر بالتعاون مع حزب "مناعة لإسرائيل" الذي أطلقه بيني غانتس إذا كان مستعداً للانفصال عن لائحته المشتركة.

أمام هذا الوضع، تطرح السياسة الخارجية في الحكومة المقبلة علامة استفهام كبرى. تعهد نتنياهو، في حال إعادة انتخابه، بضم مناطق مثل الخليل، لكنه لا يملك التفويض اللازم راهناً لتنفيذ هذا النوع من السياسات، ونظراً إلى اضطراره للتعاون مع حزب "أزرق أبيض" بقيادة غانتس، من المتوقع أن تتخذ إسرائيل منحىً وسطياً في الشأن الفلسطيني، نتيجةً لذلك لا مجال لضم مناطق مثل الخليل، لكنه قد يتمكن من ضم غور الأردن وعدد من الكتل الاستيطانية الكبرى، لأن غانتس أيّد خلال "صالون تل أبيب الدولي" ضمّ تلك المناطق لإسرائيل.

على صعيد آخر من المستبعد أن تتغير السياسة الإسرائيلية تجاه إيران وعملائها أو تجاه غزة، وبالتالي، ستتابع حركة "حماس" إطلاق الصواريخ، فيما تستمر إسرائيل بالرد مع الحرص على عدم شنّ عملية كبرى تُهدد "صفقة القرن" التي يعمل عليها ترامب، كذلك من المتوقع أن تبقى العلاقات الإسرائيلية الهندية على حالها، مع أن مصادر داخلية في الهند ذكرت أن حكومة مودي والجماعات الهندوسية عموماً تفضّل التعاون مع نتنياهو.

لكن قد تختلف العلاقات الأميركية الإسرائيلية بدرجة معينة، إذ اعتبر غانتس خلال حملته الانتخابية أن رئيس الحكومة الإسرائيلي يجب ألا يبالغ في تقرّبه من الحزب الجمهوري، لأن الحفاظ على دعم الحزبَين الأميركيَين الأساسيَين له أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى الدولة اليهودية، وبناءً على هذه النتائج من المتوقع أن تعمد الحكومة الإسرائيلية المقبلة، في حال تشكيلها، إلى توسيع تواصلها مع الحزب الديمقراطي الأميركي، وأن تسعى إلى تطبيق سياسة خارجية تجمع الناس، بغض النظر عن قناعاتهم الإيديولوجية.

في النهاية، هذا هو المغزى من أي حكومة وحدة وطنية، قد لا يروق هذا التوجه لترامب، لكن سيرحّب به المرشحون الديمقراطيون للرئاسة الأميركية، وباختصار ستتخذ إسرائيل على الأرجح اتجاهاً وسطياً.

* رايتشل أفراهام

* «فورين بوليسي»