بينما تكمل المحكمة الدستورية الكويتية نحو 47 عاماً من عمرها بعدما بدأت أعمالها عام 1973 مختصة بالفصل في دستورية القوانين واللوائح إعمالاً لأحكام المادة 173 من الدستور، كما عُهدت لها اختصاصات أخرى وردت في قانون إنشائها كتفسير مواد الدستور والفصل في الطعون الانتخابية التي تقام على انتخابات مجلس الأمة، تثور جملة تساؤلات حول وضع المحكمة الدستورية في الكويت، وما إذا كان الوقت قد حان للنظر في قانون إنشائها تطويراً لأدائها.

وتكمن أسباب الدعوة لإعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية في توسع مهامها كمحكمة، خصوصاً بعد تمكين المشرّع عام 2014 الأفراد من حق الطعن المباشر أو الأصلي أمامها، مما دفع العشرات منذ صدور هذا التعديل إلى الطعن أمامها بعدما كان طريق الطعن الأصلي قاصراً على السلطتين التشريعية والتننفيذية، دون تمكين الأفراد حينها منذ صدور قانون إنشاء المحكمة من اللجوء إليها إلا عن طريق الدفع غير المباشر أمام محاكم الموضوع.

Ad

الاستقلالية

ومن الآليات التي ستعمل على تطوير أداء «الدستورية» في الكويت إصدار قانون يضمن استقلالية المحكمة، فنياً ومالياً وإدارياً، ويسمح بتوسيع عمل الجهاز الفني المعاون فيها إلى «هيئة مفوضين للمحكمة الدستورية»، وأخيراً إعادة تشكيل المحكمة الدستورية بما يسمح بزيادة أعضاء هيئتها القضائية.

وتكمن الحاجة لإصدار قانون خاص يعطي للمحكمة الدستورية الاستقلالية الإدارية والفنية والمالية في أن الوضع الحالي لقانون إنشائها لا يسمح لها بالتطور والتوسع بتعيين عدد الموظفين ولا حتى الاستعانة بالخبرات القانونية المتخصصة في البحث العلمي والقانوني بما يتناسب مع وظيفة المحكمة الدستورية.

أضف إلى ذلك أن الوضع الحالي للمحكمة لا يلبي احتياجاتها المالية لربط حالها بالميزانية المقررة لوزارة العدل، مما انعكس سلباً على تطور هذا الصرح القضائي، الذي يفتقد اليوم إلى الحد الأدنى من أساليب التطور الحديث بإطلاق أحكامه ونتاجه الفكري القانوني عبر منصة الفضاء الإلكتروني بلغات متعددة كي يحظى الباحثون والعاملون في القانون والقضاء المقارن بالاطلاع عليها والاستفادة منها.

الانتداب

أما الاستقلالية الفنية التي يفتقدها القانون الحالي فيتعين، إزاء ذلك، النص على تعيين الجهاز الفني والقضائي في المحكمة دون أن يكون الأعضاء منتدبين للعمل فيه أو أن يجمعوا مع عمل آخر، لأن الوضع الحالي يسمح بأن يكون رؤساء المحاكم، مثل رئيس المحكمة الكلية ورئيس محكمة الاستئناف ورئيس محكمة التمييز، أعضاء في المحكمة الدستورية، كما يسمح أن يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء عضواً في المحكمة الدستورية.

ومثل هذا الانتداب أو الجمع يفقد فكرة الاستقلالية التي يتعين أن تتمتع بها المحكمة الدستورية امتثالاً لحكم المادة 173 من الدستور التي تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أن» يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح ويبين صلاحياتها وإجراءاتها التي تتبعها، ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح»، مما يعني أن على المشرع إنشاء جهة وليست محكمة، لكنها جهة ذات طبيعة قضائية تمكّن الحكومة وذوي الشأن من الطعن في دستورية القوانين واللوائح، ولم يكل المشرع الدستوري تلك المهام التي أوكلها إلى أي من المحاكم العادية كي تمارسها إلى جانب عملها، إنما رسم لها شكلاً كجهة قضائية وتشكيلاً بالإمكان أن يكون مختلطاً يتناسب مع شكلها كجهة بأن يكون أعضاؤها من القضاة وغيرهم وليست كمحكمة، وهو ما أشارت إليه المذكرة التفسيرية للدستور التي يجمع الفقه على إلزاميتها.

ومثل ذلك الاستقلال المطلوب بأعضاء الهيئة القضائية في المحكمة الدستورية يعني تفرغهم لعضوية المحكمة وعدم جمعهم مع عضوية المحكمة الدستورية أي عضوية أخرى أو تقلّد أيّ من المناصب القضائية، لأن الوظيفة القضائية بطبيعتها هي وظيفة فنية تحتاج إلى التفرغ والبحث لأدائها لاسيما أن الأعباء الملقاة على عاتق أعضاء هذه المحكمة جسيمة جداً بحسب ما تقرره الفقرة الأخيرة من المادة 173 من الدستور بنصها: «وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأن لم يكن» أي زوال النص المقضي بعدم دستوريته بأثر رجعي ومنذ ولادته، سواء كان تشريعاً أو لائحة علاوة على الاختصاصات التي أولاها قانون إنشاء المحكمة من تفسيرها لنصوص الدستور والفصل في الطعون الانتخابية لاسيما أن لأحكام تلك المحكمة حجية مطلقة وملزمة لكل الجهات والمحاكم.

السوابق

أما المسألة الثانية التي يتعين النظر فيها، بما من شأنه تطوير عمل المحكمة، هو التحول إلى إنشاء هيئة مفوضين للمحكمة الدستورية تعمل على تحضير الطعن ودراسة مناحيه وتبيان السوابق القضائية للمحكمة التي تعرضت لها، ثم إبداء رأيها فيه لأن تطور الجهاز المعاون للمحكمة الدستورية يكمن في تحويله إلى هيئة مفوضين تدرس الطعون وتحضرها وترفعها للمحكمة مدعمة برأيها أو أن تبديه بمحضر الجلسة، على العكس من فكرة الجهاز المعاون للمحكمة الذي قد يقتصر دوره على تحضير الدعوى للهيئة القضائية.

هيئة مفوضين

وفكرة وجود هيئة المفوضين في المحكمة الدستورية ستسمح بتعيين مستشارين من القضاء العادي في «الدستورية» بعدما يتم تعيينهم في هيئة مفوضي هذه المحكمة لسنوات وبعد أن يكتسبوا قدراً من الخبرة وتتطور لديهم ملكة الكتابة والفهم للأبعاد ومقاصد النصوص الدستورية والتشريعية يتم تعيينهم أعضاء في الهيئة القضائية للمحكمة الدستورية.

وخير دليل على نجاح هذه الفكرة ما أقدم عليه المشرع المصري عندما قام بتعيين مستشارين في هيئة مفوضي المحكمة الدستورية وبعد اكتسابهم الخبرة سنوات طويلة كشفت عن تأهيلهم للفصل بالدعاوى الدستورية تقرر تعيينهم في عضوية المحكمة الدستورية، كما أن تجربة العمل لدى نيابة التمييز في الكويت ساهمت في رفع قدرات وخبرات القضاة والمستشارين ممن عملوا فيها بعدما صقلهم العمل في نيابة التمييز في كيفية تلخيص الطعون والتصدي لها والرد عليها وفقاً للسوابق ولما استقر عليه قضاء محكمة التمييز وهي تجربة علمية بحثية ترفع من كفاءة القاضي ومستواه الفني وتنعكس فيما بعد بما يصدره من أحكام.

والمسألة الأخيرة التي قد تساهم في تطوير أداء المحكمة الدستورية بعد تحقيق الاستقلال الإداري والفني والمالي للمحكمة وتحويل الجهاز المعاون للمحكمة إلى هيئة مفوضين هي العمل على زيادة أعضاء المحكمة الدستورية لأن العدد الحالي لأعضائها وهم سبعة أعضاء، خمسة منهم يتولون الفصل، واثنان احتياط، لا يسمح بتطور أداء هذه المحكمة التي تختص بمهام كبيرة من شأنها أن تؤثر على كامل النظام القانوني والدستوري وعلاقة السلطات وسلامة الانتخاب وعضوية النواب، ووجود خمسة أعضاء في المحكمة الدستورية لا يشترط فيهم التفرغ ولا التخصص سوى أنهم بدرجة مستشار في محكمة الاستئناف هو أمر لا يتفق وفكرة التطور للمحكمة فأعداد أعضاء الهيئة القضائية مهم للوصول إلى الرأي المستفيض الخاضع للنقاش والاستمرار في المداولات في مسائل مصيرية قانونية وذات طابع سياسي، وزيادة الأعضاء إلى أكثر من خمسة قد يساهم في زيادة وتيرة البحث وتعدد آراء الأعضاء في المسائل المتصلة بالمسألة الدستورية المعروضة على المحكمة سواء بطعن دستوري أو بطلب تفسير لاحدى مواد الدستور، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى عدد أعضاء المحكمة الدستورية في القضاء المقارن في العديد من الدول الذي يفوق العشرة أعضاء لاسيما تفرغهم بعضوية المحكمة.

تطور الأداء

والإشارة إلى تلك المسائل تأتي في سياق التفكير بتطوير آليات عمل القضاء الدستوري، الذي يتعين أن يكون قضاء مؤسساً على فكرة التفرغ والتخصص، ومثل هذا التخصص والتفرغ لا تشترطه أحكام قانون المحكمة الحالي، الذي يكرس فكرة ندب القضاة أو إنابتهم إلى عمل قضائي آخر إلى جانب عملهم القضائي أو عملهم الإداري في القضاء وهو أمر يبتعد عن فكرة التطور لأداء المحكمة، وأن كان ذلك الأسلوب صالح لفترات سابقة كان عمل المحكمة فيها موسمياً بنظر الطعون الانتخابية ومقيداً بإحالات المحاكم لطعون الأفراد أو طلبات تفسير معدودة في حين تشهد المحكمة الدستورية اليوم جلسات كثيرة وأحكاماً تكاد على مدار الشهر نتيجة ارتفاع وعي الأفراد في اللجوء إلى المحكمة الدستورية بمختلف الطرق التي كفلها القانون لهم.