في وقت يستعد فيه الكونغرس الأميركي للاجتماع مجددا هذا الأسبوع، بعد استراحة دامت ستة أسابيع، تخوض الإدارة الأميركية في جدال جله تقريبا بسبب الرئيس دونالد ترامب، إذ كان سلوك ترامب في أكثر حالاته غرابة منذ توليه منصبه، وهذا راجع مما لا شك فيه، وإلى حد ما، إلى الذعر بسبب انتخابات عام 2020، ولديه أسباب أكثر من معظم الرؤساء الرسميين تفسر رغبته في إعادة انتخابه، لأنه لا يزال يواجه العديد من الدعاوى القضائية.

ولعل أكبر خطر سياسي يواجهه ترامب يكمن في الأدلة المتزايدة على أنه استغل الرئاسة ليحقق الثراء، وعلى عكس أسلافه، رفض ترامب وضع أصوله في صندوق الثقة العمياء، وتجري مقاضاته حاليا لقبول "المكافآت" المحظورة دستوريا (مدفوعات الحكومات الأجنبية لرئيس ما). فعلى سبيل المثال، استخدم النظامُ السعودي وغيره، فنادقه بشكل مبالغ فيه، بما في ذلك فندق بالقرب من البيت الأبيض، كذلك، في قمة مجموعة السبع التي عقدت الشهر الماضي، قال ترامب إنه يريد استضافة اجتماع العام المقبل في منتجع مضطرب للغولف يملكه بالقرب من ميامي.

Ad

وربما يكون الناخبون قد اعتادوا على رعاية ترامب المتكررة لفنادقه، ومرافق الغولف المملوكة له (إلى جانب تكلفة الخدمة السرية ومرافقين آخرين). ووفقا لإحدى التقديرات، بحلول منتصف يوليو، كان ترامب قد أمضى 194 يوما في ملاعب الغولف المملوكة له، وحصلت بذلك منظمة ترامب على 109 ملايين دولار، كما أنجزت مختلف مهام الحزب الجمهوري داخل ممتلكاته.

ولكن في الأيام الأخيرة، كان طمع ترامب الرئاسي في حالة ارتياح شديد: أولاً، بقي نائب الرئيس مايك بانس، في وقت سابق من هذا الشهر، في منشأة مملوكة لترامب في إيرلندا، قاطعا بذلك مسافة 181 ميلاً (291 كيلومتراً) جوا للوصول إلى اجتماعاته الرفيعة المستوى، واعترف رئيس الأركان لبانس، أخيرا، أن ترامب "اقترح" أماكن الإقامة.

وبعد ذلك بوقت قصير، ذكرت بوليتيكو أنه في وقت سابق من هذا العام، زُودت طائرة للنقل العسكري في رحلة إمداد روتينية إلى الشرق الأوسط بالوقود بالقرب من ممتلكات ترامب في اسكتلندا، حيث كلفة الوقود أكثر من تكلفته في المنشآت العسكرية، التي تستخدم عادة خلال الرحلات الجوية إلى الشرق الأوسط، وأمضى الطاقم المكون من خمسة أفراد الليلة الماضية في منتجع تيرنبيري للغولف. وبعد اكتشاف العديد من محطات التوقف في تيرنبيري، أمرت القوات الجوية بمراجعة استخدامه لمنشآت التوقف في جميع أنحاء العالم، لقد حول ترامب الرئاسة إلى مضرب.

وبالإضافة إلى الكشف عن فساد ترامب، أصبح شعوره شبه المرضي بانعدام الأمن فاضحا أكثر فأكثر، فمن وجهة نظر ترامب، كما يقول أحد الزملاء، اعتراف شخص ما بالخطأ هو أن يبدو ضعيفا، والمثال الأكثر وضوحا في الآونة الأخيرة، هو يأسه من إقناع الجمهور بأنه لم يكن مخطئا في التنبؤ بأن إعصار دوريان سيضرب ألاباما، وبالنسبة له، كان من الضروري للغاية، استخدام علامة سوداء، لتعديل خريطة خدمة الطقس الوطنية، للإشارة إلى أن تلك الولاية ستتأثر.

ثم بناءً على طلب البيت الأبيض، أصدرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التي تشرف على تقديم خدمات متعلقة بالطقس، بيانا غير موقَّع تدعم فيه ترامب، وترفض فيه تصحيحا له أصدره خبراء خدمة الأرصاد الجوية في برمنغهام، ألاباما، وهكذا، فإن وكالة فدرالية بالغة الأهمية كانت فاسدة، وفي المستقبل، لا يمكن لأحد أن يكون متأكداً من حقيقة تحذيرات ترامب الطارئة.

وفي جدل آخر، أثار ترامب مشاجرة في أوائل سبتمبر عندما طلب تحويل 3.6 مليارات دولار من أموال البناء في البنتاغون إلى جداره الوهمي على الحدود الجنوبية مع المكسيك. وبغض النظر عن الشكوك حول دستورية الرئيس، الذي يحول الاعتمادات التي يقرها الكونغرس من جانب واحد، فإن 127 مشروعا– بما في ذلك العديد من المدارس، ومرافق أخرى لرعاية الأسر العسكرية، بعضها في ولايات يمثلها الجمهوريون لإعادة انتخابهم العام المقبل- فقدت تمويلها. وقام ترامب أيضا بتحويل الأموال المخصصة للإغاثة من الكوارث عشية موسم الأعاصير.

وتبرز هذه التحركات يأس ترامب في أن يكون له جزء كبير من الجدار المبني، أو الذي في طور البناء بفضل الانتخابات. إنه بعيد جداً عن ذلك، إذ ما وصفه بأنه حاجز خرساني طوله ألف ميل، هو الآن نحو نصف هذا الطول، وحتى الآن، كل ما بني هو 64 ميلا من الأسوار الفولاذية لتحل محل الهياكل التي ركبت خلال إدارة أوباما، ومع شعور مؤيديه بالإحباط بسبب عدم إحراز لأي تقدم، طلب الرئيس من مساعديه الاستيلاء على أراض خاصة إذا لزم الأمر، وأنه سيعفو عنهم إذا انتهكوا القانون.

ومع أن فئة قليلة من الناس تعتقد أن جدار ترامب هو الطريقة الأكثر فعالية لمنع المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن إشاراته إليه خلال حملة عام 2016 أثارت هتافات كبيرة (في ذلك الوقت، أكد للحشود أن المكسيك ستدفع ثمنها). ولا يزال الموضوع يثير الهتافات، إذا، فقد وضع ترامب نفسه في موقف يجبره على التعامل مع المشكلة.

ومن الأرجح أن تزيد القضايا الرئيسة الأخرى المدرجة في جدول الأعمال هذا الخريف- بما في ذلك السيطرة على السلاح، وقرار الديمقراطيين في مجلس النواب بشأن ما إذا كان سيتم إطلاق عملية عزل رسمية– من الضغط على ترامب. وتسبب السياسة الخارجية أيضا مشاكل لترامب وللبلاد، كما أن حربه بشأن التعرفة الجمركية مع الصين تدمر الاقتصاد الأميركي. فضلا عن أن مبادرات التوقيع، بما في ذلك المفاوضات المباشرة مع كوريا الشمالية وطالبان، بدأت تذهب أدراج الرياح، وقد أدى الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، كما كان متوقعا، إلى نتائج عكسية.

وكان الفصل المفاجئ الأسبوع الماضي لجون بولتون، مستشار الأمن القومي الثالث لترامب- بولتون يصر على أنه استقال- مفاجئا ولا مفر منه، لأنه كان من الواضح أن الرجلين يختلفان حول معظم قضايا السياسة الخارجية. إذ كان بولتون صقرا يواجه حمامة ترامب، وإن أحد أكثر ما أفصح عنه إثارة للاهتمام حول الرئيس هو أنه لا يريد فعلاً الذهاب إلى الحرب، ويبدو أن الانشقاق الأخير جاء عندما أعلن بولتون، أنه يعارض تفاوض ترامب مع طالبان لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، ويفضل أن يتم ذلك عن طريق الانتخابات، ومن الواضح أن ترامب أراد أيضا استضافة طالبان في مؤتمر كامب ديفيد للسلام.

لكن فصل بولتون لن يحدث فرقا كبيرا، إذ إن العديد من أهداف ترامب غير واقعية، فهو مفاوض سيئ، وليس لدى البيت الأبيض عملية متماسكة لصنع القرار، وأصبحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة تعكس نزوات ترامب، وإيمانه الكبير بقدرته على إقناع الآخرين.

إن الحزب الجمهوري ربط مصيره بزعيم معتوه، ومع أن ثلاثة من المرشحين للرئاسة لعام 2020 يقفون الآن في طريق ترامب، إلا أنه لا يمكن لأحد منهم أن يهزمه، ولكنهم يمكن أن يلحقوا الضرر بالجهود التي يبذلها لإعادة انتخابه، وهذا هو السبب في قيام الحزب الجمهوري بإلغاء بعض الانتخابات التمهيدية، والتجمعات الحزبية، وقد يعتمد مدى نجاح ترامب في نوفمبر من العام المقبل على كيفية تحمل غروره الهش للأشهر المقبلة.

* إليزابيث درو

* صحافية مقيمة في واشنطن، ومؤلفة كتاب "يوميات واشنطن: تقرير ووترغيت وسقوط ريتشارد نيكسون"

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»