إن كان من الضروري أن يكون لكل مرحلة شعار ولكل زمن رجال، فعلينا أن نتفق أو نعتمد شعارنا لهذه المرحلة "اللي اختشوا ماتوا". كانت جملة تتردد كثيرا ربما من قبل الأصدقاء المصريين أو حتى في أفلام الأبيض والأسود، وحتى عندما كان أحد يستخدمها للتعبير عن موقف كانت هي مجرد عبارة لا تعكس واقعا عاما يشمل كل سكان تلك المنطقة التي لا تعرف اليوم إلا بالمنطقة المنكوبة، وهو تعبير في الحقيقة مخفف لوصف واقع لا يحمل أي بريق نور، بل كثير من العتمة.

ولكن بالضرورة أن يتزاوج شعار المرحلة هذا مع مثل آخر، وهو "وإن بليتم فاستتروا"، وربما يكون مطلوباً أن يعمم هذا المثل على كثير من المسؤولين والمعنيين وحتى الفنانين والمثقفين وأشباههم والصحافيين ومغتصبي المهنة وآخرين كثر كثر، فالانحدار في أي مجتمع أو مجتمعات في الكثير من الأحيان يتحول إلى وباء معدٍ يصاب به كل البشر، ولا ينجو منه إلا الأقلية التي تبدأ وتنهي أيامها مع التذكير بالواقع كما هو، حتى لا تسقط في مستنقع فقدان الحياء، وبذلك وكما هو المثل الشائع "فإن لم تستحِ فافعل ما شئت".

Ad

لم تكن الأمثال مجرد "قفشات" سينمائية أو فلكلورية، بل هي تعبير صادق عن حكمة تحلى بها السابقون رجالا ونساء، في حين فقدنا الحكمة اليوم وأصبح الكثيرون لا يملكون سوى تكهنات وتحليلات سطحية معتمدة في مجملها على فوضى وسائل التواصل المنتشرة، والتي حلت محل التحليلات الرصينة والمتعقمة والمبنية على المعلومة البحثية لا المعلومة الفيسبوكية. يتبجح البعض بجهلهم أو قلة معرفتهم، ويرددون لم نعد بحاجة لقراءة الكتب ولا الاستماع للباحثين أو المحللين "المملين"، فجملة على "تويتر" فقط أو حتى عشر دقائق من أحد مشاهير وسائل التواصل الذين لهم متابعيهم أو "مريديهم"! ولهم من يقوم بالدعاية غير المدفوعة، ويتصور أن معلوماتهم صحيحة فيقوم بوضع "لايك" ثم متابعة أو إرسال إلى صديق لزيادة أعداد المتابعين لشخص أقل ما يقال فيه أو عنه أو عنها أنهم مصابون بشيء من المس، وأن كل معلوماتهم هي مجرد إشاعات أو من نسج خيالهم الضحل، الأمر الذي يدفع للتساؤل إلى أي درجة من الضحالة وصلنا؟

إذا ابتليتم هي في الأصل إذا ابتليتم بالمعاصي فعليكم أن تستتروا بستر الله ولا تفضحوا أنفسكم، ورغم أننا نرددها بسهولة أو خفة فإنها عميقة، حياة كثر فيها مرتكبو الأخطاء والعيوب الذين رغم ذلك لا يستحون ولا يسترون عليها. انظر لـموظف أو موظفة نسبة إنتاجهما اليومية لا تزيد على خمس دقائق، ولا يستحون من التشدق بذلك أو حتى يرتشون ويفعلون ذلك على الملأ والعلن دون خجل لأن الذين اختشوا فعلا ماتوا واحترقوا في تلك الحادثة الشهيرة في عام 1889 في ذلك الحمام الشعبي للسيدات، والمختشون يزداد عددهم بشكل يومي حتى يصبح العموم والسائد هو أولئك الذين كشفوا عوراتهم للجميع وافتُضحوا، إلا أن كل ذلك لم يعد يهم عندما يسود العيب والتوحش وقلة الحياء.

حتى في العمل كلما كان بعضهم قليلي الفهم والمعرفة في مجالات عملهم، لا يتوقفون عن التبجح والتعالي وكأن العالم قد أصيب بفقدان الذاكرة الجماعية أو بالغباء، وهي في مجملها متشابهة خاصة عندما يتصور بعضهم أن المستمع على درجة من الغباء ليصدق خرافاتهم وتحليلاتهم واستعراضاتهم المعرفية، ولكن أكثر ما هو لافت في هذه الأيام هو أن الذين اختشوا تمادوا في قلة الحياء.

كان أهلنا يرددون "جليل حيا" وكان هذا الوصف كافيا لعزلة "الشخص في "الفريج" أو الحي أو كل المجتمع، أما اليوم فقليلو الحياء يتصدرون صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي ويتقدمون المدعوين لكل الحفلات والمناسبات، بل وصل ببعضهم من قلة حيائه أن يطلق على نفسه لقباً ودرجات علمية غير حقيقية ويستغلها للوصول إلى المناصب.

وآخرون تمادوا في تصريحاتهم التي تمس عمق الإنسان في منطقتنا اليوم، وراحوا يمارسون ذاك التعالي على مشاعر العامة من الناس الذين يعرفون أصدقاءهم وأعداءهم معرفة حقيقية، ولا يستطيع أحد أن يمحو كل تلك المجازر والدماء والقتل، لنعلن اليوم الصفح نيابة عن كل البشر. بعضهم إما لم يعد يختشي أو ربما متصور أن باستطاعته "استعباط" كل الناس أو الكذب عليهم أو خداعهم.

ربما علينا أن نعيد التذكير بأمثلتنا تلك التي هي جزء من تراثنا وثقافتنا العريقة التي لن يستطيع أحد أن يسرقها منا أو يغيرها لتتماشى مع أهوائهم أو مصالحهم الضيقة القصيرة المدى كما رؤيتهم، ضحلة كثقافة لم يكتسبوها رغم كل الجامعات التي تعلموا فيها ولم يستفيدوا من تجارب السابقين وكثير من الأمم. هم لا اختشوا ولا تستروا!

* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية.