في ديسمبر العام الماضي نشرت مجلة الإيكونوميست موضوعاً عن هذا العالم الذي يحن إلى الماضي، وكانت الجمل الافتتاحية للمقال تقول إن الدولة والمواطن (لديهم في العالم الغربي) وبعد قرنين من القوة والتقدم يريان أن هذين الأمرين (القوة والتقدم) يتحولان إلى الصين، وأن كوكب الأرض يشيخ بسرعة؛ فالمناخ يتغير إلى الأردأ، وهناك مزج في الأعراق والثقافة... هذا الحنين إلى الماضي "الأجمل" قد يتجلى في شعار يرفعه السياسيون يستنهض الهمم بعبارة مثل "دعونا نعد الأمور كما كانت ونأخذ زمام القيادة".

الحنين إلى الماضي المجيد، خارج أوروبا يتمثل في طرح خطابات عند قادة سياسيين يشددون على الخطاب القومي والماضي الحضاري، كالدعوة إلى القومية الهندوسية عند رئيس الوزراء الهندي، أو التذكير بعظمة الحضارة الصينية القديمة عند الرئيس "تشي" والدعوة إلى العودة لها.

Ad

سواء في الغرب أو الشرق، الحنين الكبير إلى الماضي لدى الشعوب هو تعويض عن خيبة أمل في الحاضر، وتتمثل أشكال هذا الحنين في صور مختلفة، كتجديد التذكير بخطابات قومية أو قبلية تعيد مجد الماضي، فمثلاً تلك القومية لربما هي مشاعر الأغلبية في الخروج البريطاني من أوروبا، وهي وراء النهوض النسبي للأحزاب اليمينية في الغرب، وفوز قيادات سياسية مغرقة بدعوات القومية المحلية مثل المجر وبولندا، وطبعاً كانت الأسبقية التاريخية، هنا، للدولة الأعظم حين فاز ترامب بشعار العودة إلى الحلم الأميركي.

في العالم العربي، نستولوجيا (الحنين) إلى هذا الماضي بالتأكيد أسبق من الغرب والشرق البعيد، فحلم الحضارة الإسلامية القديمة كان شعاراً طرحته أحزاب إسلامية كمفتاح سحري لحل أزمات الحاضر الكبيرة، مع أنه يصعب تصور مفهوم الحريات (بمعناها الحالي) في أيام الماضي الإسلامي التليد. أما جيل "بيبي بومرز"، (وهو تعبير غربي يرمز إلى هؤلاء الذين وُلِدوا بعد الحرب الثانية، وعاشوا أعظم سنوات الرخاء الاقتصادي العالمي حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي) العرب، وهم الذين عاشوا بصباهم أيام مجد الاستنهاض القومي والتحرر من الاستعمار بشعارات العزة والكرامة "وارفع رأسك يا أخي" الناصري، فقد أحبطوا تماماً بعد هزيمة يونيو 67، وتلاشي الحلم القومي، ليحل مكانه الحلم الإسلامي، وفي كلا الأمرين (القومي العربي والقومي الإسلامي) كانا حلمين، لم يتوافقا مع حقيقة الواقع على صعيد الحرية. وحدث، بعدئذ الربيع العربي، الذي ألهم شعوبنا وكثيراً من شعوب العالم، لكن ما يسمى قوى الثورة المضادة وتحالفها مع الرجعيات المحافظة أحالا الربيع إلى صحراء قاتلة.

في الختام، هل لنا في هذا المثلث الصغير، أي الكويت، الحق في نصيب من نستولوجيا الأيام الماضية، لا بالمعني المالي أو الاقتصادي تحديداً، بل بمعنى رقعة الحرية وحكم الدستور؟! بالتأكيد لنا أكثر من هذا الحق، والشعور بالألم والحرقة على فترة انقضت، هي تقريباً ما بين منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أما في غير تلك الفترة، فقد كانت لنا لحظات انقضت سريعاً مثل أيام الربيع العربي.