يستهل الكاتب غسان شبارو روايته بأقصوصة معبرة عن النحلة، التي هاجمت الغول وثابرت على أذيته حتى أفقدته صوابه، بعدما أعمته وقادته إلى حافة الوادي فسقط ومات.

اتخذ شبارو من هذه العبرة مدخلاً إلى فضاء جديد تسيطر فيه تكنولوجيا الغرب على المجتمعات العربية، من خلال خطابٍ استبطاني لعوب تغلغل في وسائل الاتصالات، ليحقق جواً من الفوضى المرعبة التي اخترقت عقول الشباب، فتحولت اهتماماتهم إلى سلوكياتٍ تبيح هدر الوقت، وتبعدهم عن قيمهم وقضاياهم الوطنية وأهدافهم المستقبلية.

Ad

مراد و"الفورتنايت"

ولد مراد أفندي مصاباً بالجلوكوما الخلقية، فوصف له اختصاصي النظارات نظارة بلاستيكية، وكبر مراد وكبرت معه نظارته وازدادت سماكة عدستها، فارتفعت معاناته من تنمر زملائه الذين أطلقوا عليه ألقاباً مهينة، فأثرت هذه التصرفات على شخصيته تأثيراً عميقاً، فأصبح سريع الانفعال، منطوياً على نفسه، منصرفاً إلى الإنترنت، باحثاً عن صداقاتٍ بديلة، ولكن واجهته مشكلات جديدة في عينيه، وازدادت سخرية الزملاء منه، فانقطع عن الذهاب إلى الجامعة، واتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً.

وأصبحت لعبة "فورتنايت" ملاذه المفضل للهروب من واقعه، وحققت له الانتصارات وفاز في مباراة اختيار أفضل لاعبي فورتنايت في الشرق الأوسط، وربح نحو 12 ألف دولار أميركي.

بعدما حيا د. مجدي سالم طلابه، أبلغهم أن على كل طالب إغلاق موبايله وعدم فتحه خلال إلقاء محاضرته.

اشتعلت ثورة من الاحتجاجات والغضب عبر عنها الطلاب بالصراخ والصفير والوقوف اعتراضاً، فطلب منهم التزام الهدوء، وبعد نقاشٍ عقيم، صرخ قائلاً: أي واحدٍ لا يعجبه هذا التدبير يمكنه الانصراف فوراً.

وعلق مراد أفندي محفظة كتبه وحاجياته على كتفه وخرج من غرفة الصف، من دون أن ينظر إلى أحد أو يلفظ كلمة واحدة وهو يرفع الموبايل بيده احتجاجاً.

وبعدما علم شاهين أفندي أن ولده مراد لا يثابر في الذهاب إلى الجامعة، استشاط غضباً ودار بينهما جدال قاسٍ، فأخبره ابنه بأن استغلال الإنترنت أفضل من متابعة الدراسة في الجامعة، وأنه ربح مبلغاً محترماً بمشاركته في لعبة "الفورتنايت".

شاهين ومجدي

توجه شاهين أفندي إلى الجامعة لمقابلة د. مجدي سالم، ابن صديقه عزيز سالم، آملاً بوجود حل لابنه مراد.

بعد تبادل التحية والسلام، دعا مجدي صديق والده إلى الجلوس، وشرعا يتحاوران حول كيفية التعامل مع مراد كي يتراجع عن موقفه، ويعود إلى الجامعة كسابق عهده.

وأصر مراد أفندي على موقفه، وأخذ يشرح لوالده عن وجهة نظره، وبأنه أمن مستقبله عبر ألعابٍ إلكترونية، وأنه أنشأ حساباً مصرفياً خاصاً يحمل اسمه وقد وضع فيه ما ربحه، وأبرز إيصال المبلغ لوالده.

وذهبت محاولات الوالد سدًى وهو يقنعه بأن الشهادة الجامعية تؤمن له مستقبلاً كريماً، وتساعده على الانخراط في المجتمع، فيصبح لديه أصدقاء حقيقيون، لكنه ظل على رأيه وأجاب والده بأن لديه 100 ألف مشترك على قناته الخاصة على اليوتيوب وهؤلاء هم أصدقاؤه.

جمعية سرية

عاد شاهين إلى رؤية د. مجدي مجدداً يستنجد برأيه لمساعدة ابنه الذي غدا مدمناً على الإنترنت والسوشيال ميديا والموسيقى المجنونة، وخصوصاً الألعاب الالكترونية، وإذ بمجدي يقول له: ابنك يكذب على نفسه، لأن ثمة من يكذب عليه من دون أن يدري، إنهم يستغلونه لتكليف حركة اللاعبين طمعاً في الربح. هناك، يا صديقي، جمعية سرية تعمل في الخفاء بواسطة مشاهير وأشخاص معروفين ومهمين وفنانين منطلقين، وهدفها تحويل الأجيال الصاعدة إلى أجيال غبية تبتعد عن قضاياها الوطنية والثقافية فيسهل التحكم بها وتحويلها إلى أدوات تجارية وتدويرية طيعة، يفرضون من خلالها نظاماً عالمياً جديداً يتحكمون عبره بشعوب الأرض.

لقد عقدت عليّ الأمور يا مجدي بدلاً من حلها، أجاب شاهين، فقال له د. مجدي: سأعرفك على مساعدتي هند، وهي ستساعدك بناءً على تعليماتي.

الخال رمزي

بعد خسارته مبالغ طائلة أصبح وضع الخال رمزي حرجاً جداً، فذهب إلى المصرف لتأسيس حساب جديد يستطيع من خلاله التلاعب وسرقة أموال الآخرين، ونتيجة تهديد المرابي له والذي يسمى "القناص"، ذهب إلى مخزنه ليهدئ خاطره، وهناك التقى بمراد أفندي الذي أخبره بربحه جائزة "الفورتنايت"، وتواعدا على التواصل بواسطة الإيميل.

ولم يتحمل رمزي ضغوطات "القناص" وتهديداته، فاتفق معه على إعطائه إيصال إيداع مبلغ جائزة ابن شقيقته مراد في المصرف، وقد كتب عليه "الباسوورد" الخاصة به فيستطيع سحبه من حسابه في المصرف.

المتنورون

وفي هذه الأثناء كان شاهين أفندي قد اطلع على الكثير من المواقع الإلكترونية، وشعر بالخطر المحدق الذي يهدد المجتمع من خلال تأسيس نظام عالمي جديد، فأسس موقعاً دعاه "قطوف الثقافة"، وبدأ يشرح فيه أهداف أولئك الأشرار الذين لقبوا أنفسهم "المتنورون".

فقد البصر

علم مراد أفندي بسرقة ماله من المصرف، فذهب والده معه إلى قسم الشرطة للادعاء، وتبين أن عملية الاحتيال قام بها الخال.

وفي هذا الوقت أثارت المعلومات التي أوردها شاهين أفندي محطات التلفزة، فدعي إلى مقابلة في

"برنامج الحدث" فضح فيها جميع استراتيجيات المتنورين، وبينما كان عائداً إلى منزله صدمته سيارة مسرعة فنقل إلى قسم الطوارئ وهو بين الحياة والموت.

وغادر مراد المستشفى عائداً إلى البيت، وعند دخوله شعر وكأنما بيته منزل أشباح، تطلع إلى ساعة "البندول" المعلقة على حائط المدخل فرأى رقاص الساعة متوقفاً عن الحركة، فأنزل الساعة عن الحائط ووضعها برفق على الطاولة ليزيل عنها الغبار، رأى حكمة للإمام علي بن أبي طالب منقوشة عليها، حدق جيداً وقرأ:

"فقد البصر أهون من فقد البصيرة".