في عودة إلى سلوكها القمعي في التقييد والكبت والحجب والرقابة، وسيطرة العقلية العسكرية الأمنية على قراراتها، وفي اتجاه فاشل نحو تقليص الحريات التي هي مقلصة بالفعل، تسعى الحكومة إلى إصدار تشريع بصورة مرسوم ضرورة لمواجهة الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما الوهمية منها، متجاهلة أن التعاطي الأمني غير مناسب للتعامل مع مثل تلك القضايا المرتبطة بالفكر وحرية التعبير.

وعلمت "الجريدة"، من مصادرها، أن ذلك التشريع المزمع سيتمحور حول إلزام مستخدمي تلك المواقع، من مواطنين ومقيمين وشركات، بتسجيل حساباتهم لدى وحدة حكومية يتم إنشاؤها لتلقي طلبات التسجيل.

Ad

وبصيغة لا تختلف عن قانون الإعلام الإلكتروني من حيث ترخيص الصحف الإلكترونية، فإن المواطنين والمقيمين والشركات سيكونون أمام عقوبات جزائية تصل إلى السجن في حال تخلف أيٍّ منهم عن تسجيل حسابه.

فنياً، ذلك التوجه لا يمكن له النجاح لأسباب عديدة، فبحسب الإحصائيات، فإن في الكويت 1.8 مليون مستخدم لمنصة "إنستغرام"، ويصل عدد مستخدمي "فيسبوك" إلى نحو 3 ملايين، وهناك 1.68 مليون مستخدم لشبكة تويتر، أما تطبيق "سناب شات" فيصل عدد مستخدميه إلى 1.65 مليون، والحكومة لا تملك الإمكانات الفنية والإدارية لتسجيل هذا الكم من المستخدمين، ولعل فشلها في تطبيق قانون الإعلام الإلكتروني، من حيث المدة اللازمة للموافقة على الترخيص للمواقع، والتي تصل أحياناً إلى شهور، دلالةٌ على ذلك.

التشريعات غير المفعّلة كافية لمواجهة «المسيئين»

إلى جانب قانونَي الجزاء وأمن الدولة، تحمل المنظومة التشريعية قوانين أخرى تجرم الإساءات، سواء من الحسابات الوهمية أو المعروفة، فعلاوة على قانونَي الإعلام الإلكتروني و«جرائم تقنية المعلومات»، يأتي قانون هيئة الاتصالات الذي يتيح للحكومة، وفق المادة 46 منه، الحصول على أجهزة التنصت بأنواعها للجهات الرسمية، التي يصدر بتحديدها مرسوم حيازة، كما تلزم المادة تلك الجهات بالحصول على إذن مسبق من النيابة العامة وفقاً للإجراءات والأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

ويتيح قانون هيئة الاتصالات كذلك للنائب العام أو لرئيس دائرة الجنايات المختصة إصدار أمر بمنع أو حجب أي مواد أو روابط أو مواقع تتعلق بالاتصالات أو تقنية المعلومات لضرورة التحقيق مؤقتاً مدة أسبوعين، ويجوز تجديدها مدداً أخرى.

كما أن عملية تسجيل المستخدمين تعني أن على الحكومة مراجعة أسمائهم، لا سيما الحسابات الوهمية، ففي قانون الإعلام الإلكتروني تم منع الصحف من استخدام نماذج من الأسماء، مثل التي تحمل أسماء شيوخ، ومناطق، وقبائل، وغيرها من المحظورات، ومن ثم فإن عملية التدقيق لما يتجاوز ثمانية ملايين حساب على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية شبه مستحيلة، وسبق لدول مثل الولايات المتحدة وأوروبا أن فشلت في ذلك، رغم كل ما لديها من الإمكانات التي تتفوق بها على الكويت.

أما على الجانب الرقابي، فإن الجهاز المعني بمتابعة تلك الحسابات ستكون عليه مسؤولية متابعتها جميعاً، الحالية منها والمستقبلية، والتأكد من تسجيلها في قاعدة بياناته، علماً بأن أغلبية الحسابات لا تشير لدى تسجيلها في منصات التواصل إلى الدولة التي ينتمي إليها المستخدم، ومن ثم فإنه من المستحيل فنياً وتقنياً معرفة موقع الحساب حال تسجيله، وعلاوة على ذلك فهناك منها أيضاً ما ليس كويتياً، ولا يقيم صاحبه في الكويت.

وإضافة إلى كل ما سبق، فقد أثارت حادثة اختراق حساب مؤسس "تويتر" جاك دورسي وبث تغريدات عنصرية من هذا الحساب، تساؤلات مهمة، أبرزها: كيف ستتعامل الحكومة والقانون مع تلك الحالات حين يتم اختراق الحسابات المسجلة وبث تغريدات مسيئة منها؟ وكيف ستتأكد أن صاحب الحساب يدّعي ذلك خلافاً للحقيقة للالتفاف على القانون؟

أما المسألة الأخيرة التي لا يمكن حلها وفق فكرة هذا القانون أو غيره، فهي علاقة دولة الكويت بشبكات التواصل الاجتماعي، ومدى رغبة تلك المنصات في التعاون مع الدولة في حجب الحسابات الوهمية أو تقديم بيانات عنها إلى الجهات الكويتية، ففي دول مثل الصين وروسيا وإيران رفضت تلك المنصات التعاون مع جهاتها الرسمية، مما ترتب عليه حجب كامل لها في تلك المناطق وتجريم استخدامها.

رد الفعل التشريعي... فشل مستمر في المنظومة

لا يعتبر التوجه إلى تشريع قانون لمواجهة الحسابات الوهمية أول القوانين التي تصدر كرد فعل، إذ سبق أن صدر قانون يجرم استخدام «البلوتوث» في منتصف التسعينيات، وتلته محاولات لتشريع قوانين تنظم استخدام المدونات الإلكترونية لم تنجح، ولكنها عادت بقوة بتشريع قانون الإعلام الإلكتروني.

وجميع تلك القوانين لم تُحدث أي تغيير ولم تحقق المطلوب منها، ويعود ذلك إلى المتغيرات السريعة التي تطرأ على التقنيات التكنولوجية عالمياً، فما كان، على سبيل المثال، طفرة في عالم الاتصالات وهو تقنية البلوتوث أصبح اليوم غير ذي جدوى وغير مستخدم محلياً، مما ترك في المنظومة التشريعية قانوناً لا قيمة له فعلياً.

وعلى المنوال ذاته، قانون الإعلام الإلكتروني، الذي جاء كرد فعل آخر لمحاصرة المواقع الإخبارية الإلكترونية، ولم تنجح وزارة الإعلام في تطبيقه لأسباب عديدة، وترتب على ذلك وجود العشرات من المواقع والحسابات الإخبارية الإلكترونية غير المرخصة، والتي لا تملك «الإعلام» القدرة على ملاحقتها أو التعرف على أصحابها ومواقع البث.

ومن المؤكد أن فكرة ملاحقة الحسابات الوهمية عبر إلزام المستخدمين تسجيل بياناتهم غير منطقية، وتعد الأولى من نوعها عالمياً، وستنتهي إلى تشريع قانوني غير قابل للتطبيق فنياً.