خلال السنوات الماضية شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تطورا نوعيا بعد أن وفرت التكنولوجيا الحديثة مجموعة واسعة من برامج التواصل الاجتماعي على الأجهزة الهواتف النقالة، بحيث لم يعد هناك فرد في الوطن العربي إلا ولديه جهاز أو أكثر يستطيع من خلاله إنشاء منصة إعلامية خاصة فيه يعبر من خلالها عن رأيه، ويرصد كل ما يدور حوله من مواضيع تلامس حياته اليومية.

هذا الانفتاح في فضاء التواصل الإلكتروني لم تستطع الأنظمة العربية مواكبته أو حتى التعايش معه لأن التعبير عن الرأي في نظر العديد منها قضية تهدد الأمن القومي، لذلك أوجدت لها قوانين وتشريعات تحد من مساحة الحرية لتضعها في الزاوية التي تريد. تزايد الحسابات الوهمية في المنطقة ومنها الكويت يعود إلى عدة أسباب، منها رغبة أصحابها تجنب الملاحقة القانونية، وفِي بعض الأحيان هناك حسابات لها أجندات خاصة هدفها خلط الأوراق وإذاعة أخبار مكذوبة، وإن كانت لا تخلو من الحقيقة في بعض الأحيان لخلق جو عام.

Ad

بين فترة وأخرى يطل علينا حساب يديره شخص أو مجموعة يختار في البداية قضية محل اهتمام المجتمع بهدف كسب أكبر عدد من المتابعين ليظهر بثوب الإصلاحي، ومع مرور الوقت يبدأ مساره يتحول إلى الأهداف الحقيقية التي أنشئ من أجلها ليدخل في مرحلة الابتزاز وحفلات التشهير.

على الطرف الآخر هناك بعض الحسابات غير الوهمية هدفها إثارة حماس متابعيها واستدراجهم في الخوض بمواضيع تقع تحت طائلة المسؤولية، ثم بعدها تبدأ مرحلة الابتزاز والمساومة من أجل الحصول على المال والشهرة.

الحكومة بصدد إصدار قانون يجرم أصحاب الحسابات الوهمية، القانون الذي أوجد حالة من الانقسام في الشارع الكويتي بين مؤيد ومعارض، وهو أمر طبيعي بعد أن أصبحت سياسة تكميم الأفواه سياسة عامة، ولكن للإنصاف فإن مواجهة تلك الحسابات لابد أن تخضع لمراجعة شاملة، وإلى حماية المجتمع لا الفاسدين، وهنا بيت القصيد.

تجريم الحسابات الوهمية يجب أن يسير بالتزامن مع فتح آفاق ومسارات للحرية المسؤولة والتي على الحكومة إدراك أهمية تمكين المواطن من أداء دوره الرقابي، باعتباره غفيرا وشريكا على مصالح الوطن، وفي المقابل على الحكومة تقبل الرأي والرأي الآخر برحابة صدر، فمسيرة الإصلاح تتطلب كشف قائمة الفساد بعد أن أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي نجاحها في تسليط الضوء على الكثير من ممارسات الفساد، ناهيك على ضرورة الانتباه إلى صون حرية التعبير فيما يتعلق بالنقد، وبيان الحقائق المتعلقة بالشأن العام لمؤسسات الدولة.

مواجهة الحسابات الوهمية بقانون قد لا يكون الحل، ومن يرد انتحال هذه الصفة فلن تعييه الحيلة، والأهم من إقرار القانون نشر ثقافة المواجهة ودحر الرأي بالرأي. ودمتم سالمين.