من حقنا في الكويت حقاً مطلقاً- كما لأي دولة في العالم- تنظيم التركيبة السكانية وتحديد قوانين استقدام العمالة الوافدة بما يحفظ حقوق البلد، ويصلح شؤونه ويرتب المكانة المناسبة لمواطنيه في الاستفادة من منافعه المختلفة ومنحهم الأولوية في بنائه وخدمته ورعايته.

كانت الكويت منذ القدم قبلة للعمالة الوافدة من الدول القريبة والبعيدة، حتى في أيام فقرها عندما كانت ثروتها قائمة على تجارة الغوص على اللؤلؤ والسفر الشراعي، كانت هذه المواسم تعج بالوافدين الذين يشاركون الكويتيين مهنتهم بكل رحابة صدر واحترام للحقوق المتبادلة، فإذا انتهى موسم الغوص والسفر عادوا إلى ديارهم محملين بالقليل المبارك مما اكتسبوه من الرزق، ثم أعادوا الكرّة الأعوام اللاحقة، ولم تكن الكويت لتستقطب الآلاف من الناس في ذلك الزمان العسير لولا حسن معاملة أهلها لهم وللأمان الذي يجدونه في هذه الأرض.

Ad

عندما انهمرت ثورة النفط على الكويت انفجرت معها الهجرة العربية والأجنبية وسريعاً ما تعاظم عدد الوافدين في الخمسينيات من القرن الماضي، كما يظهر من إحصائيات السكان، فعلى سبيل المثال في سنة 1957 أجري تعداد سكان الكويت حسب المناطق والجنسيات، فكان عدد المواطنين 113622 مواطناً، في حين بلغ عدد الوافدين 93 ألف مقيم من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، وبالطبع بدأت هذه الأعداد تتضاعف لأن الحكومات المتعاقبة لم تسعَ بحزم إلى تنظيم العملية حتى نشأت تجارة الإقامات، وهي نتيجة حتمية لتراخي وفشل الجهات المعنية في إدارة هذا الملف ومواجهة رعاته من أصحاب النفوذ أو الكسب السريع.

حظيت الكويت بفرصة عظيمة جداً لتنظيم التركيبة السكانية بعد التحرير مباشرة ١٩٩١، إذ كانت الأمور مواتية للتحكم الكامل في هذا الملف، وللأسف تكرر الحكومات أخطاءها، ويعجز الوزراء المعنيون عن القيام بواجبهم الوطني، ويغيب البرلمان عن حسم هذا الوضع لأسباب واضحة: المستفيدون هم أصحاب القرار، والمصالح الخاصة تقود العمل السياسي والضحية الوطن والمواطن.

رغم كل ما سبق ومع كل مطالبنا الواضحة في تصحيح التركيبة السكانية وتنظيمها بما يحفظ حق الكويت وأهلها أمنيا وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً فإننا في الوقت نفسه ننبذ كل دعوات الإساءة والتحقير والإهانات المرفوضة التي تصدر من البعض ضد المقيمين في البلد، وإن مثل هذه الأصوات الشاذة تسيء لقضيتنا المستحقة، كما أنها قد تؤجج العداوات والضغينة بين الشعوب، وهو أمر يهدم كل ما بنته الكويت من حولها على مدار عقود من الزمن من كونها بلاد العرب والإنسانية والسلام، وعلى كل عاقل أن ينظر إلى هذا الأمر بمنظور المستقبل البعيد ويعرف ما هي المصالح الوطنية والقومية الكبرى للكويت وأهلها.

إن الحكومة والبرلمان أمام استحقاق وطني ملح ومهم جداً لإعادة تنظيم التركيبة السكانية وتصويب مسارها قبل فوات الأوان من أجل أمان الوطن ومصلحة المواطن، فبادروا بذلك إنكم لمسؤولون.

والله الموفق.