إذا كان ناقل الكفر ليس بكافرٍ، فأنا أنقل هذه السطور عن د. علي الوردي، الذي وُجِّهت له شتى الاتهامات، ومنها الكفر. فالدكتور الوردي عشق العراق، وكرَّس كل حياته من أجل بثِّ الوعي الاجتماعي في بلد الحضارة الأولى في العالم، وبلد القوانين الأولى في العالم، وبلد الكتابة الأولى في العالم.

***

Ad

• فمما جاء في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق):

"عام 1917 دخل الجنرال الإنكليزي ستانلي مود إحدى المناطق في العراق، فصادفه راعي أغنام، فتوجَّه إليه، وطلب من المترجم أن يقول له:

- الجنرال سيعطيك جنيهاً إسترلينياً إذا ذبحت كلبك الذي يجري حول أغنامك.

والكلب يمثل حاجة مهمة للراعي، كونه يُسيِّر القطيع، ويساعد في حماية الأغنام من المفترسات، لكن الجنيه الإسترليني في ذلك الوقت كان الراعي يستطيع أن يبيع به نصف قطيعه، لذلك كان مسروراً للعرض، وانفرجت أساريره، وجلب الكلب، وقال للجنرال:

- تكرمون يا سيدي.

وقام بذبحه تحت أقدام ستانلي مود.

حينها قال الجنرال للراعي:

- أعطيك جنيهاً إضافياً إذا سلخت جلد الكلب.

بادر الراعي بأخذ الجنيه الثاني، وسلخ جلد كلبه. وبعد أن انتهى قال له الجنرال:

- أعطيك جنيهاً ثالثاً لو قمت بتقطيع الكلب إلى قطع صغيرة.

ومباشرة فعل الراعي ما طلب منه الإنكليزي مود، حيث قام بتقطيع الكلب. ولما انتهى تسلَّم الجنيه الثالث. انصرف الجنرال الإنكليزي، فركض الراعي خلفه منادياً:

- هل تعطيني جنيهاً آخر إذا ما قمت بأكل الكلب؟

أجابه الجنرال:

- كلا... أنا رغبت فقط في معرفة طباعكم، وفهم نفسياتكم، فأنت أيها الراعي ذبحت وسلخت وقطعت أغلى صديق عندك ورفيقك من أجل ثلاثة جنيهات، وأنت مستعد لأكله مقابل جنيه رابع، وهذا كل ما أحتاج معرفته، ثم التفت إلى جنوده، وقال لهم:

- مادام هناك الكثير من هذه العقليات هنا، فلا تخشوا منهم شيئاً.

***

• رحم الله الدكتور علي الوردي، الذي أورد هذه الحادثة في كتابه، وأحمد الله أنه لم يعش ليرى ماذا يجري الآن في العراق، فالذبح من أجل المال لم يعد مقتصراً على كلبٍ، بل إن العراق العظيم؛ بحضارته وتاريخه، يُذبح بأيدي اللصوص، وبأيدي الذين يحكمونه، إذ جعلوه من أكثر الدول فقراً، فيما هم من أكثر الحكام ثراءً، بعد أن كانوا يعانون الفقر والعوز والفاقة، فتَملْيَروا بنهب وسرقة حقوق شعب العراق، الذي أصبح يترحَّم على كل دكتاتوريات الحكومات السابقة، بل صاروا يترحمون على الملكية، التي يرونها أكثر عصور العراق ازدهاراً إذا ما قورنت بمن يحكمون العراق الآن باسم الدجل الديني والطائفي والقبلي والعرقي.

• اللهم أنقذ العراق من هذه الزمرة الفاسدة، ليقوم بدوره الحضاري الذي طالما لعبه منذ ما قبل الإسلام، وما بعده في الحضارة العباسية، حيث كانت بغداد ثالث المراكز الحضارية في القرن التاسع الميلادي، كما صنفها ويل ديورانت صاحب كتاب "قصة الحضارة".