الحمد لله، أكمل حجاج بيت الله الحرام حَجتهم وأنهوا هذه العبادة العظيمة بكل يسر وأريحية، وندعو الله تعالى أن يقبل حجتهم، ويغفر لهم ذنوبهم، فيعودوا كما ولدتهم أمهاتهم، لا ذنب لهم كما جاء في الوعد النبوي العظيم «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، فهنيئاً لهم تلك الجائزة الكبرى التي يسعى إليها كل مسلم بأداء حقوق الله تعالى والتوبة الخالصة.

يخلط البعض بين التوبة الواجبة وبين حقوق الناس، فيظن أن أداءه للطاعات المختلفة مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج كفيل بإسقاط ظلمه للناس واستيلاءه على حقوقهم وتبرئة ذمته، فيتساهل في التبرؤ منها في حياته ولا يعلم أنها ستظل معلقة في رقبته حتى وفاته ما لم يتخلص منها، وهذا يخالف ما ورد في الشريعة الغراء مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فيتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه». رواه البخاري، فهل نسي هذا المجتهد في الطاعة أن الله سبحانه الذي أمرنا بهذه الواجبات كالصلاة والزكاة والحج قد نهانا أيضاً عن الظلم والافتراء وبخس الحقوق؟

Ad

قصص يومية نسمعها عن شركاء يتطاول بعضهم على حقوق بعض في تجارتهم، وأشقاء ينتقصون حقوق إخوانهم في إرثهم، وأوصياء يتلاعبون بتركة اليتامى، وأغنياء يبخسون حقوق العمال عندهم، وموظفون يحتالون على أموال وظيفتهم، ومسؤولون يقهرون مرؤوسيهم، وأزواج يحتقرون زوجاتهم، وأبناء يعقون والديهم، وجيران يؤذون جيرانهم، وهكذا ينسى بعض الناس حقيقة العبادة وجوهرها في تنقية الروح من شوائب الدنيا وتطهير النفس من حقوق الناس حتى تتحقق التوبة الخالصة فعلاً.

فيا أيها الحاج الكريم: أكمل توبتك، إن كنت صادقاً فيها، وارتقِ بطاعتك، وبادر اليوم بالتحلل من المظالم التي في رقبتك إن وُجِدت، سواء لأهل بيتك أو أقربائك أو موظفيك أو شركائك أو من تتعامل معهم، أياً كان جنسهم ودينهم، وتذكر أنه بينما كنت ترفع كفيك للدعاء عند المشعر الحرام ترجو رحمة ربك قد يكون هناك من ظلمته أو قهرته بجوارك قد رفع يده بنفس هيئتك ونفس مكانك ونفس لحظتك يدعو المولى القدير أن يأخذ حقه منك في الدنيا والآخرة، وهو مكسور الجناح، مفطور القلب، فاقد للحيلة، فمن تراه أولى بالإجابة والنصرة بينكما؟ والله الموفق.