• ما الأسس التي بناء عليها اخترت الروايات التي أخضعتها لدراستك النقدية الصادرة حديثاً؟

- تعدى نتاج الرواية المصرية في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين حاجز (700) رواية، ومع تلك المادة الضخمة كان لابد من تصنيف الروايات وفق الاتجاهات الروائية الأكثر حضوراً، وفي داخل روايات الاتجاه الواحد تمت الموازنة بين الروايات لاختيار أكثرها وفاء لسمات الاتجاه؛ فمثلاً في روايات الواقعية النقدية بحثت الدراسة عن أكثر الروايات تمثيلاً للواقع المصري المعاصر، وأبلغها تعبيراً عن مشكلات المواطن، كما أن جودة الصنعة الروائية، وتماسك العمل الروائي، وتدفقه كانت عوامل مرجحة، ولم تعط الدراسة ظهرها للتفاعل النقدي من ناحية والإقبال الجماهيري من ناحية أخرى في اختيار العمل النموذج للاتجاه الروائي، وهي عوامل متنوعة تأمل تقديم نموذج روائي يخلص للفن الروائي دون أن يهمل المروي عليه، ومن هنا جاء اختياري لروايات "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، و"واحة الغروب" لبهاء طاهر، و"في كل أسبوع يوم جمعة" لإبراهيم عبدالمجيد، و"سيدي براني" لمحمد صلاح العزب.

Ad

المشهد الروائي

• بحسب نتائج الدراسة، ما أبرز السمات السردية للرواية المصرية في العقد الأول من القرن العشرين؟

- بدا المشهد الروائي متسعاً ومرحباً بأمرين: تعدد الاتجاهات الروائية؛ فقد استمرت الواقعية التاريخية في التواجد وقدمت نماذج تاريخية بمعالجة سردية متطورة مثل "عزازيل" ليوسف زيدان، و"واحة الغروب" لبهاء طاهر، وبدا شباب الروائيين مستمرين في التجريب والإكثار من الواقعية السحرية، وظهرت الواقعية الافتراضية لأول مرة في الرواية المصرية وكتبت لها أجيال روائية عِدة.

والأمر الثاني: اجتماع الأجيال الروائية المصرية، فقد عبر كل جيل عن رؤيته، فقدم بهاء طاهر الرواية التاريخية، وإبراهيم عبدالمجيد الرواية الافتراضية، وخيري شلبي الواقعية السحرية، كما قدم الشباب محمد صلاح العزب وإبراهيم فرغلي ومنصورة عزالدين رواياتهم الجديدة أيضاً، مروراً بأجيال الوسط علاء الأسواني، وسهير المصادفة وغيرهم.

كما تحول اهتمام السرد بالشخصية عنصراً رئيساً لها في روايات الواقعية النقدية والتاريخية، لينفتح النص لاستيعاب عدد ضخم من الشخصيات دون الاهتمام بملامحها في روايات الواقعية الافتراضية التي زحفت بقوة على المشهد الروائي المصري، وكانت ابنة شرعية لازدهار مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك تخلصت الرواية التاريخية المعاصرة من سرد التاريخ، وأخلصت للفن الروائي أكثر من إخلاصها للحوادث التاريخية ما منحها حيوية السرد وتدفقه، كما لوحظ أن الاهتمام بالمروي عليه وتوفير عناصر التشويق وإقامة الحوار الدائم بينه وبين النص ميز الروايات المصرية بعد عام 2000.

استيعاب الرواية

• ما الظاهرة الأبرز في روايات مطلع القرن الـ 21 في مصر؟

- الظاهرة الأبرز هي انحسار المسافة بين الجمهور والقراء، فقد شهدت الرواية عصرها الأزهى في إقبال القراء عليها، وتحقيق عدد كبير جداً من الطبعات لعدد من الروايات والروائيين مثل علاء الأسواني، ويوسف زيدان، ومحمد صادق، وهو تفاعل دل بوضوح على استيعاب الرواية لذوق الجماهير وإيلاء النصوص اهتمامها بالشريك المخلص (المروي عليه).

• فيض الأعمال الروائية التي تصدر في مصر باستمرار أمر إيجابي أم سلبي؟

- بلا شك أمر إيجابي، والجمهور يتولى الفرز وهو من يمنح من يستحق الاستمرار، وبالطبع تزداد مهمة الناقد صعوبة في التواصل مع تلك الأعمال وغيرها، لاسيما الناقد الجاد الذي يبحث عن الرواية، لا الذي يجلس حتى تقرع سمعه رواية فازت بجائزة فيهم بالكتابة عنها، وهي في الحقيقة أصبحت في غير حاجة.

النثر بلا تردد

• أيهما يسود المشهد الأدبي العربي راهناً: الشعر أم النثر؟

- النثر بلا تردد، والرواية بالتحديد، تكمن أزمة الشعر وتركه الساحة طواعية للرواية بعدما ظل مدللاً لقرون في أن الشعر بالأساس فن سمعي يعتمد في تواصله مع الجمهور على الإيقاع والموسيقى الداخلية، ووضوح المعنى أو على الأقل عدم غرابته، كما أنه فن شعبي تتلقاه كل الطبقات ما يجعل الحاجة لمراعاة الذوق العام ضرورة في الازدهار والنجاح، لكن الشعر العربي منذ عدة عقود أدار ظهره للجمهور العام واكتفى بالصفوة، فهجر الوزن والقافية كعوامل شكلية بارزة، ثم افتقد وضوح المعنى أو ارتباطه بعموم المتلقي فزاد غربته غربة وزاد عزلته عزلة.

ولم تضيع الرواية الفرصة فتحدثت عن الإنسان المعاصر، وأعطاها التنوع فرصة السيطرة؛ فصارت واسعة الانتشار بمدارس مختلفة واقعية وسحرية وافتراضية وتاريخية، كما ساعدت السينما والتلفزيون الرواية على الازدهار وسط جمهور أوسع، كذلك جوائز الرواية السنوية في الوطن العربي أعطت للرواية حراكاً ونجاحاً وتفاعلاً.

• يرى أدباء كُثر أن النقد بمعزل عن الإبداع الأدبي... ما تعليقك؟

- أعترف بذلك. الناقد في الأغلب معذور، فالنقاد الذين يملكون ناصية النشر أعدادهم قليلة، وكذلك قنوات التواصل بين الناقد والمبدع إما شخصية تنتج نصاً مجاملاً، أو عشوائية بحيث يكتب الناقد عما يقع في يده دون وجود أفق لنشر ما يكتب، ولا تنس آفة الثقافة الرئيسية، وهي وجود ثقافة الشلة التي تطحن من يخرج على قوانينها، بمعنى أن المبدع والناقد ومحرر الصفحة الثقافية غالباً تجمعهم دائرة من تبادل المنفعة، ويطرد من لا يؤمن بقوانين الشلة بعيدا عن الأضواء. وقد يضطر الناقد إلى الاستسهال وليمنح نصه فرصة النشر فيكتب عن كتاب لامعين أو عن أعمال حصدت الجوائز.