تسيل السنوات من بين أيدينا دون أن نشعر، يتسرب الزمن ونظن في وهمنا أننا باقون إلى الأبد وأن كل شيء ثابت كما هو. لكن ما أسرع تحول بضع سنوات إلى عقد كامل، والعقود إلى دهر. ولا يوجد لص سارق للزمن أكثر احترافية من هواتفنا «الذكية»! تلك التي يقضي أغلبنا عليها ساعات طويلة كل يوم في عمل اللاشيء سوى حشو الدماغ بالخاوي من الصور ومقاطع الفيديو. وكم هو سهل تخدير الذات في قوقعة الروتين وإيهام أنفسنا أننا بلا حيلة، لا يمكننا التجديد أو تغيير حالنا، ونستمر على هذا الحال سنين ثم نستيقظ يوماً متسائلين: أين أهدر كل هذا الزمن؟!

وللروتين سلطة كبيرة على الذهن البشري، فهو صمام الأمان للعديد منا، فوجود وظيفة ثابتة ومقابلة الأشخاص أنفسهم كل يوم يوفران لنا الراحة والشعور الزائف بالأمان... لماذا أسميته زائفاً؟ لأن كل شيء متغير، وإن اختلفت سرعة تغييره، لكن التغيير قادم لا محالة؛ لذا فالأفضل تقبل هذا التغيير، بل جعله جزءاً من حياتنا، فذلك خيرٌ من أن تفرضه الحياة علينا في تقلبها المجنون.

Ad

أما تلك الحلقة المفرغة التي حبسنا أنفسنا داخل حدودها فما هي سوى عذر واهٍ كي نهرب من ذواتنا. فعيش الحياة التي نريد يتطلب الكثير من الشجاعة والتضحيات، وفي مجتمع شديد التمسك بالتبعية يصبح أقل سلوك فردي تمرداً. انظر حولك! أغلبنا يلبس الملابس ذاتها ويأكل نفس الطعام، بل يحمل نفس الآراء المعلبة بصورة مكررة مقيتة، نعشق النسخ الكربونية ونرفض التنوع والاختلاف تماماً، نجرم من يجرؤ على التفكير -أو ببساطة، الكينونة- بصورة مختلفة فتختنق هوية الفرد وتصبح غير قادرة على النمو الحقيقي داخل هذه القوالب الحديدية.

التفرد ليس تمرداً في سبيل العصيان أو إثارة الشغب، إنما هو اكتشاف حقيقي لتلك الذات الثمينة التي تميزنا عن غيرنا من ملايين البشر من حولنا. ووجود هدف نسعى إليه ليس مجرد وسيلة مبتذلة لقتل وقت الفراغ، إنما هو غاية سامية في حد ذاته. وهنا يمكننا أن نتفحص دوافعنا ونتساءل: لماذا نريد ما نريده؟ هل ما نرغب في تحقيقه مجرد رواسب من توقعات المجتمع عنا؟ أم هو مجرد إشباع مؤقت لـ»الأنا»؟ أرى أن ما ينبغي أن نحققه هو ذلك الشيء الذي يشعل شغفنا ويجعل استيقاظنا من النوم ذا لون ومعنى. ببساطة، هو ما يعطي قيمة لوجودنا المؤقت على هذه الأرض.

نقف هنا أمام سؤال مهم: هل ستضحي بذاتك المتفردة في سبيل الراحة والذوبان مع الحشود؟ أم ستكون ذاتك حتى وإن كان الثمن غالياً؟ أنت من يحدد ذلك!

«الوقت يلتهم كل شيء!» – أوفيد