انجلت الصورة، واتضح المشهد في الخليج العربي، وظهرت حقيقة الموقف الأميركي الذي اعتدناه، خلال الثلاثين عاماً الماضية؛ مواجهة بين واشنطن وطهران تنتهي بصفقة بين الطرفين، عن طريق طرف ثالث، تسمح لإيران بالتمدد ومزيد من الهيمنة على حساب العرب، وهذا ما حدث في لبنان والعراق وسورية واليمن، وجزئياً في أفغانستان، وربما قريباً هيمنة مطلقة لإيران على مياه الخليج العربي ومضيقه، بعد الفشل المحتمل للتحالف الذي تدعو له واشنطن لحماية الملاحة هناك.

في هذه المرة، هناك تنبُّه خليجي لهذا السيناريو الأميركي- الغربي، ولذا ذهب بعض الخليجيين إلى طهران للتباحث وخفض التوتر والتصعيد، رغم علم الدول الخليجية تماماً بأن كلام الإيرانيين عن السلام وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة هو كلام لا يحمل أي نوع من المصداقية، وسمعناه منذ أيام الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى 2005، من دون أي فعل حقيقي على الأرض، وانتهى باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري واستيلاء حزب الله اللبناني المدعوم إيرانياً على القرار في الدولة اللبنانية، واليوم تستخدم نفس اللهجة الإيرانية للمناورة، واستغلال الفرص لتحقيق اختراق جديد في المنطقة.

Ad

غالباً، فإن طهران ستحصل في النهاية على سلاح دمار شامل تتبُّعاً لخطوات كوريا الشمالية، وربما تحصل ضربة إسرائيلية لإيران ولكنها لن تردع طموحها ذلك أو تنهيه بشكل تام، وسيكون المتضرر الأكبر هم العرب، لأن النظام الإيراني لن يتحدى إسرائيل بأكثر من المناوشات العسكرية المحدودة، عبر أذرعها في المنطقة، أو الخطابات الكلامية المستمرة منذ 1979 بين الفارسي والصهيوني، فإيران دمرت سورية خدمة لمشروعها القومي التوسعي، ولم تبالِ بالخلل الهائل الذي سيحدث في المنطقة لمصلحة الكيان العبري نتيجة لذلك.

هنا، علينا كعرب الخليج أن نفكر في نموذج شبه القارة الهندية، وهو توازن الردع بين قطبيه الهند وباكستان، وتفهم المجتمع الدولي لحاجة باكستان إلى تملك سلاح نوعي لخلق توازن الردع في تلك المنطقة، لذا يجب أن نسعى لإفهام العالم لحاجتنا إلى تملك سلاح نوعي يوازي ما تسعى إليه طهران من خلال برنامجيها الصاروخي والنووي، خاصة في ظل زعزعة إيران لأمن شريان العالم الرئيسي للطاقة، وهو لا يعني سعينا لامتلاك سلاح دمار شامل، بل ضرورة حصولنا على منظومة ردعٍ ما تُحقق توازناً عسكرياً بين ضفتي الخليج العربي.