نفّذت روسيا والصين أول دورية جوية عسكرية مشتركة وبعيدة المدى، ويحمل هذا الحدث أهمية استراتيجية باعتباره جزءاً من المساعي الرامية إلى ترسيخ التعاون العسكري بين البلدَين، وقد أثبتت موسكو بذلك استعدادها لأخذ مجازفات جيوسياسية إضافية في المنطقة لحماية هذه العلاقة؛ فوفق تقارير متلاحقة، شملت الرحلة الجوية مواجهة خطيرة بين الطائرات الروسية ومقاتلين كوريين جنوبيين يطالبون بالأرض المتنازع عليها في بحر اليابان.

وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية من جهتها أن الدورية لم تكن تستهدف أي بلد ثالث، مما يعني أنها كانت تستهدفه فعلاً، إذ تريد موسكو تأكيد تنامي علاقتها العسكرية مع الصين واكتسابها طابعاً مؤسسياً متزايداً لتذكير الدول المجاورة في آسيا بأنها قوة عسكرية إقليمية، ولا بد من أخذ مصالحها في الاعتبار. تكثر المفاهيم المغلوطة بشأن هذه المبادرات العسكرية عموماً، لكنّ تراجع فاعليتها لم يقنع أي قوة عظمى بعد بوقف المشاركة في هذا النوع من التحركات.

Ad

في عام 2017، تبنّى البلدان خطة مدتها ثلاث سنوات للتعاون العسكري حتى 2020، بمبادرة من وزارة الدفاع الروسية، لكن في ظل تكثيف التدريبات المشتركة، لاحظ الطرفان أنهما يفتقران إلى اتفاقيات واضحة لدعم هذا النظام. لذا من المتوقع أن يُعقَد اتفاق مماثل في المستقبل القريب، بينما يحاول البلدان تحويل التعاون القائم بينهما إلى ركيزة دائمة تضمن القيام بتدريبات مشتركة أكثر تطوراً في المراحل اللاحقة.

بفضل الدورية القتالية المشتركة، اتخذت موسكو خطوة صغيرة لكنها علنية لتأكيد استعدادها للتحرك عملياً وتقبّل أي كلفة سياسية إضافية حفاظاً على علاقتها مع الصين، لكن روسيا ترتبط بعلاقات حسنة مع كوريا الجنوبية واليابان، ومن المستبعد أن تدفع ثمناً باهظاً مقابل تنفيذ الدوريات في هذين البلدين. مع ذلك، تريد روسيا أن تثبت للصين أنها تقدّر قيمة علاقتهما الثنائية لدرجة أن تزعج اللاعبين الإقليميين الآخرين. وبينما تعمل القيادة السياسية الروسية والكورية على كبح تداعيات العمليات الجوية بطائرات «إي-50»، حرصت وزارة الدفاع الروسية على اعتبار الدورية جزءاً من علاقتها المتنامية مع النظراء الصينيين، وقد نُفذت وفق البيان الذي أصدرته «بهدف تعميق العلاقات الروسية الصينية في إطار شراكتنا الشاملة، وتكثيف التعاون مع قواتنا المسلّحة وتحسين قدراتها على تنفيذ عمليات مشتركة، وتقوية الأمن الاستراتيجي العالمي».

اعتادت موسكو دوماً استعمال التحركات العسكرية لحث الدول المجاورة على أخذ مصالحها ومخاوفها بعين الاعتبار، لكن هذه الجهود لطالما أعطت نتائج عكسية، إذ تميل البلدان التي تشعر بالتهديد إلى مجابهة القوى المتحاربة في المنطقة بدلاً من التكيّف معها، ومع ذلك، نادراً ما منعت هذه العواقب غير المقصودة موسكو من متابعة هذا الشكل من التواصل. على بعض المستويات، تبدو الثقافات الاستراتيجية متشابهة لأنها تفترض أن الخصوم لا يحترمون إلا أصحاب القوة، وبالتالي، كلما أثبتوا قوتهم العسكرية، حصدوا منافع إضافية من تحركاتهم، حتى لو كانت تلك التحركات تطلق في معظم الأحيان ردوداً انتقامية بناءً على المنطق نفسه.

من الواضح أن الاصطفاف الملموس بين روسيا والصين يزداد قوة مع مرور كل سنة، رغم إصرار الأوساط الأميركية على إنكار ذلك، غير أنه لم يتّضح بعد ما إذا كان هذا الاصطفاف قادراً على التحول إلى توافق أو حتى تحالف راسخ، لكن المسار الراهن يثبت أن هذه العلاقة ليست مجرّد «اصطفاف مبني على المصالح» كما يعتبر البعض. تتضح قوة أي اصطفاف دوماً حين يتخذ الطرفان خطوات لا تخدم مصالحهما أو علاقاتهما الأخرى، لا سيما في المنطقة المحيطة بهما، ويُبديان استعدادهما لأخذ المجازفات حفاظاً على التعاون المشترك بينهما. بعد سنوات، قد يتذكر المحللون الدوريات القتالية المشتركة بين روسيا والصين واتفاقهما العسكري المرتقب ويعتبرون هذه الأحداث من أوضح المؤشرات على طبيعة العلاقة بين البلدين.

* مايكل كوفمان

* «روسيا ماترز»