كثير من المطالبين بدفع قروضهم الشخصية من المال العام وغير ذلك من المطالب الشعبوية المتعلقة بالتأمينات وديوان الخدمة يحتجون بما ينشر باستمرار عن الفساد والهدر ومبالغ المناقصات الخيالية والتبرعات والمنح الخارجية، ويرفعون شعار أن المواطن يستحق وهو أولى بثروة البلاد.

وتلاقي مطالباتهم هذه قبولاً وتأييداً شعبياً لا يمكن أن تجده في أي بلد آخر رغم عدم جواز بعضها شرعاً ومخالفته للمصلحة العامة وضرره على مصلحة المواطن الحقيقية، والسبب هو أن ما ينشر لا يقابله أي رد أو توضيح.

Ad

فقد اطلعت على كثير مما يحتج به هؤلاء المطالبون، فوجدت أنها ليست مبنية على قناعة، بقدر ما هي مستندة إلى ردود فعل على ما ينشر ويشاع عن الفساد والهدر الحكومي والمنح والرواتب الفلكية لبعض الجهات، فالحكومة رغم أجهزتها الهائلة ومناصبها الكبيرة ومستشاريها ورواتبهم الفلكية غير قادرة حتى الآن على توضيح موقفها مما يطرح وينشر ويتداوله الناس من أمثلة الفساد، وهي تخسر يومياً منازلة الصلة بالجماهير أمام مافيا وسائل الاتصال.

ومثل موضوع الفساد، تعتقد الجماهير أن ما ينشر عن أرقام القروض والهبات الخارجية والهدر والتنفيع في المناقصات هو حقائق راسخة، وبالتالي تتخذ ذلك مبرراً إضافياً لكل مطالبها المالية والشعبوية.

وهذا الوضع الخطير نتج إما عن فساد وهدر وتنفيع حقيقي، أو أن ما ينشر هو أكاذيب أو مبالغات أو شائعات، لذلك فإن على الحكومة أن تجيب بصراحة عن السؤال المهم، وهو: هل كل ما ينشر ويشاع صحيح؟ وهل إجراءات الحكومة كافية ومقنعة للشعب؟ فمثلاً عليها أن تثبت أنها تصدت وكافحت الفساد بالأدلة والأسماء وأن ترد على كل ما ينشر، سواء كان حقائق أو شائعات، مثل موضوع الرجعان وإلى أين وصلت خطوات استعادته؟ وما سبب التأخير؟ ومثل موضوع الروسية المتهمة، وكذلك موضوع ضيافة «الداخلية» بكل صراحة وبدقة وبالمبالغ والأسماء المتورطة، وأن تجيب عن السؤال المطروح، وبالأرقام: «هل ما ينفق على الهبات الخارجية أكثر مما ينفق على المواطن؟».

إن إقناع الجماهير يتطلب إعلاماً نشيطاً بكل الوسائل الحديثة، وندوات توضيحية مستمرة وردوداً مقنعة يساهم فيها ممثلون عن «المالية» و«التأمينات» وصندوق التنمية وجهاز المناقصات و«الداخلية» أيضاً، فإما أن ينجحوا في إقناع الشعب بصحة عملهم وسلامة إجراءاتهم، وإما أن يتم استبدالهم وإصلاح وتصحيح عمل الحكومة في التصدي للفساد وتوجيه المنح والتبرعات وإرساء المناقصات.

من الواضح أن الحكومة بأجهزتها وقيادييها ومستشاريها لا يستطيعون أو لا يأبهون بتوجهات الرأي العام، لذلك لا ينشرون ردودهم ولا يقيمون النشاطات والندوات ومختلف البرامج الحديثة التي تبين عملهم وتدافع عنه، وحتى الناطق الرسمي الذي تم تعيينه لا يمكن أن ينجح بسبب بعده عن القرار وملابساته في جميع الوزارات، فهو مجرد وسيط أو مندوب يقوم بعمل من كان واجبهم الأصيل القيام به.

صحيح أن بعض الكتاب ساهموا بأقلامهم في تشخيص وبيان خطأ المقترحات الشعبوية، ومنهم د. وائل الحساوي ود. محمد عقيل العوضي، والأستاذ خليل حيدر في مقاله المهم بـ«الجريدة» يوم الخميس الماضي، وكذلك جهود الوزير السابق بدر الحميضي الذي قام بتعيين الدكتور فهد الراشد لتتبع شبهات الرجعان في «التأمينات»، وفي الوقت نفسه شارك في المقابلات الصحافية والندوات والمناظرات التلفزيونية التي تدافع عن موقفه من المقترحات الشعبوية المدمرة أمام أعضاء المجلس... وأيضاً ندوات الاقتصادي جاسم السعدون، وتقارير «الشال» الأسبوعية التي تحذر من الاختلالات الهيكلية المالية والاقتصادية الخطيرة.

ولكنها تبقى جهوداً فردية يظل تأثيرها محدودا، ونال أصحابها مثل ما نالني شخصياً من التجريح والأذى ممن لا يخافون الله، والجهلة، نتيجة دفاعنا عن قناعتنا بالأدلة والأرقام التي تحقق في النهاية مصلحة المواطن الفعلية، ولكن جميع هذه الجهود لم تحقق الوعي المطلوب، وذلك لأن الحكومة لم تقم بدورها ولم تُساند هذه الجهود من قبل أجهزتها بالإصلاحات المطلوبة، لاسيما في قضايا الفساد والهدر، وأيضاً بالمعلومات الكافية المقنعة للجمهور، وكذلك لا ننسى أن لجمعيات النفع العام والجماعات السياسية دوراً كبيراً في هذا الصدد، ولكن أصاب الكثير منها الخمول أو الانضمام إلى الطروحات الشعبوية أو الاكتفاء بالمناصب الزائلة، بينما كان يجب عليها أن تقدم مصلحة الوطن على مصالحها الانتخابية، ويمكنها أن تحقق الاثنتين معاً إذا نجحت في إيصال رسالتها الإعلامية الدعوية إلى الجماهير.

ولتأخذ هذه الأجهزة درساً من الأخ صالح الفضالة والجهاز المركزي الذين ملأوا وسائل الاتصال بشكل مستمر بإحصائياتهم وبينوا أعمالهم وردودهم على كل ما ينشر في وسائل الاتصال عن القضية التي حملوها، حيث أحدثوا فرقاً ملموساً في قضية شعبية وحساسة جداً.

ولو أخذت هذه الجهات ما نُشِر خلال الأيام القليلة الماضية فقط، وصنعت منه حملات التوعية المطلوبة لأحدثت فرقاً في التوجه الجماهيري. فقد تم نشر الأرقام التالية:

وزارة المالية: العجز الفعلي في ميزانية 19/2018 بلغ 3.346 مليارات دينار. الإيرادات النفطية الفعلية بلغت 18.428 مليار دينار، (يخصم منها 10% لاحتياطي الأجيال القادمة)، بينما بلغت الإيرادات الفعلية غير النفطية 2.130 مليار. (لاحظ الفرق)، المصروفات الفعلية بلغت 21.849 مليار دينار (لاحظ العجز).

وزارة المالية: يسدد عجز السنوات الأربع الماضية من الاحتياطي العام!

وزارة المالية: المرتبات والدعوم يستهلكان 75% من الميزانية.

وكالة «فيتش»: الاحتياطي العام سينفد في عام 2021.

«القبس»: 50% من موظفي الحكومة بلا عمل.

التعليم التطبيقي يقبل أكثر من 16 ألف طالب للفصل الأول، بينما تقبل الجامعة أكثر من 5 آلاف، هذا عدا الجامعات الخاصة والدارسين في الخارج (كلهم سيدخل سوق العمل ويطلب وظائف خلال 2-4 سنوات).

ديوان الخدمة: 80% من شهادات الدارسين حالياً غير مطلوبة في سوق العمل.

«القبس»: إنفاق الكويتيين في السفر 36 مليون دولار يومياً.

«الشؤون»: تبرعات المواطنين في رمضان بلغت 58 مليون دينار (تكفي لسداد فوائد المعسرين الحقيقيين).

«الأوقاف»: إيرادات قانون الزكاة هذا العام بلغت 30 مليوناً (تكفي لمساعدة الغارمين الحقيقيين).

وزارة العدل: 537 قضية مال عام خلال السنة الماضية.

عجز «التأمينات» بلغ 12 مليار دينار.

وزارة النفط: النفط الكويتي ينخفض إلى 62 دولاراً للبرميل بينما سعر التعادل المطلوب للميزانية هو 80 دولاراً.

هذه الأرقام التي نُشِرت خلال الأيام الماضية كان يجب أن تكون الشغل الشاغل لإصلاح شامل من قبل المجلس والحكومة، وتكون الأساس لحملات توعية تقوم بها الحكومة، وكل مخلص في المجلس والإعلام والسياسة، وإلا فسيستمر التقصير.