محمد الفجي، اسم عجزت مفردات اللغة عن تقديمه، هو الرمز الوطني وبطل الكويت، وأحد قادة المقاومة الوطنية إبان الغزو العراقي الغاشم على الكويت، رجل اخترق صفوف النظام الغازي وعتاده وغرف استخباراته وهزم العدو في عقر داره، فصنف البطل القومي العربي بسبب دفاعه عن وطنه «مجرم حرب» لدى المخابرات العراقية.

قصة بطولته يطول شرحها، إذ تواصل بخطوط مباشرة مع القيادة الكويتية، خلال فترة الاحتلال، وزود -في وقت دقيق- قوات دول التحالف بمعلومات مهمة، تجاوزت كل مفاهيم الاستخبارات، وقلبت موازين القوة، وأحدثت العلامة الفارقة التي لم تكن في حسبان الحليف قبل العدو، والتي على ضوئها اتخذت القرارات السليمة التي انتهت بالتحرير.

Ad

لم يبخل الفجي على بلده بالمال، فقام بدعم المقاومة الكويتية من أمواله الخاصة، خلال فترة الاحتلال وما بعد التحرير، إذ قدم المساعدات المالية بعد التحرير بحثاً عن الأسرى والمفقودين في العراق، وقدرت ثروته في العراق بـ500 مليون دولار آنذاك، فضلاً عن أسطول معدات شركته التي كانت إحدى كبريات الشركات في الشرق الأوسط.

بمثل هذه النماذج المشرفة تفتخر الكويت... وتزامناً مع الذكرى الـ 29 للغزو العراقي الغاشم، انفردت «الجريدة» بإجراء لقاء صحافي نادر مع محمد الفجي (أبوخالد)، بطل المقاومة الكويتية، الذي روى لنا قصته وكيف تحول من داعم للعراق وصديق لصدام حسين إلى عدو له، مشيراً إلى أن مسألة صداقته به نشأت إبان الحرب العراقية- الإيرانية، لكن مع بزوغ فجر 2 أغسطس عام 1990، تغير الأمر تماماً. وبسؤاله هل هناك ما تستطيع أن تقدمه إلى وطنك الآن؟ أجاب: أعتبر نفسى جندياً من جنود هذا الوطن، وكل ما نملك هو في خدمة هذا الوطن، ولن نتوانى في أي عمل يساهم في بناء ونهضة وطننا، سواء كان نصيحة أو استشارة أو علاقات تعزز مكانة الكويت وتحميها... وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

• من التجارة إلى المقاومة كيف يرى محمد الفجي نفسه؟

الظروف تتغير، وطبيعي أن يتغير معها أسلوب ومنهج الإنسان، فالحمد لله أشعر بأنني راض عن نفسي، فقد أدرت شركة ونجحت في إدارتها، وحققت مكاسب مالية واجتماعية.

وحينما تعرضت بلادي للغزو والظلم اخترت سلاح المقاومة، وهي تجارة أيضا، لكن حساباتها ليس بالربح والخسارة المالية، بل ببذل الروح والتضحية، في سبيل تحقيق أمن البلاد وسلامتها، وأؤكد أنه ليست هناك دولة في العالم ستقف مع أي دولة كانت طالما لم يتصد شعبها للغزاة.

• السؤال الذي دائما يتكرر عليك، ارتبط اسم محمد الفجي باسم صدام حسين، ونشأت علاقة صداقة، لكن هذه العلاقة تحولت إلى عداوة، حدثنا عنها.

حينما يكون المرء مؤمنا بقضية ومبدأ يسهل عليه اختيار مساراته في شتى مجالات الحياة، سواء على صعيد التجارة أو غيرها، ومسألة صداقتي بصدام حسين نشأت إبان الحرب العراقية - الإيرانية.

الأمر بدأ من منطلق ودافع القومية العربية، وباعتبار العراق دولة شقيقة ومعتدى عليها، فمر العراق بصدمة اقتصادية خلالها، واتخذت المسار الذي سارت عليه بلادي الكويت وسائر دول الخليج آنذاك، وتحملت أعباء ومخاطر التجارة في تلك الحقبة، وإيمانا مني بقضية ومبدأ، سخرت طاقاتي لإمداد ودعم العراق.

من هنا بدأ اسم الفجي يتردد بين أوساط الحكومة العراقية، ولدى الشعب العراقي، وبعدها نشأت علاقتي بصدام حسين، لتمتد تجارتي إلى ما بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، ومعها توسعت قاعدة معارفي في المجتمع العراقي بين المسؤولين الحكوميين وأطياف ومكونات الشعب من شماله الى جنوبه.

لكن مع بزوغ فجر 2 أغسطس 1990، تحولت العلاقة من داعم للعراق إلى مدافع عن وطني، فلا يمكن للرجل ولو للحظة أن يقدم مصالحه على حساب وطنه وأرضه وعرضه، ونشأ حينها تنظيم المقاومة الكويتية، التي ضمت خيرة أبناء الوطن، فتفانوا في الدفاع عن وطنهم وعرضهم، وبذلوا الغالي والنفيس لدحر الغزاة عن أراضيهم، وتشرفت بأن أكون منهم، ونسأل الله أن يرحم الشهداء.

الأسلحة الكيماوية

• معتقل في سجن ببلد يسوده الظلم والرعب، وصادر بحقه حكم إعدام، بماذا كنت تحدث نفسك وأنت بانتظار حبل المشنقة؟

كنت في وضع لا يسر العدو، جراء التعذيب القاسي الذي تلقيته في المعتقل، فكنت أحدث نفسي بأمرين، الأول: حجم المسؤوليات الكبرى علي لخدمة وطني، والآخر: مصير أسرتي، إذ كانوا يهددوني بعائلتي ويسمعوني أصواتا مسجلة لهم، محاولة منهم لمعرفة المعلومات المهمة والخطيرة التي كانت بحوزتي، وأبرزها المواقع التي يخفي فيها النظام الأسلحة الكيماوية، والتي كان يهدد بها دول التحالف، فخشيت حصولهم على المعلومات من شدة التعذيب، لكن الحافظ الله.

• بالحديث عن المعلومات، هل ما زال محمد الفجي يحتفظ بصداقات وعلاقات مع المواطنين والمسؤولين داخل العراق حتى يومنا هذا؟

لا نخفي سرا إن قلنا إن هناك عراقيين كانوا ضد غزو الكويت، وليس ضد بلدهم العراق، سواء من المواطنين العراقيين أو حتى على صعيد المسؤولين، وهو معلوم لدى الغالبية، فكم من مسؤول آنذاك كان رافضا غزو الكويت.

والشاهد على ذلك أن بعضهم كان له دور في إمدادي بمعلومات استخباراتية زودت بها القيادة السياسية الكويتية في حينها، وقيادة التحالف العسكري، وعلى ضوئها تم تنفيذ عمليات عسكرية ناجحة أصابت النظام العراقي بمقتل وشلل.

وهذه المعلومات حصلت عليها عبر علاقاتي مع شخصيات رافضة للاحتلال، وكانت علاقاتنا وثيقة بهم، إلا أنهم رأوا ظلما ظاهرا وقع على بلد شقيق وصديق، لا يستحق نكران الجميل، وهو ما كان يذكره ويكرره صدام بأن أجيال العراق لا تنسى فضل الكويت، فلا شك في أن الدافع لمثل هؤلاء الأشخاص الذين سخرهم رب العالمين لنا كان انتصار الحق على الباطل، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء.

وامتدت خدمة هؤلاء الاشخاص لنا الى ما بعد تحرير الكويت مباشرة، حينما دخلنا العراق مرة أخرى، عبر توفير الحماية لنا من عدة اغتيالات تعرضنا لها خلال بحثنا عن الأسرى والمفقودين من الكويتيين.

تمويل المقاومة

• قيل عن المال إنه عديل الروح، لكنك صنعت عكس ذلك، فمعلومة تمويلك للمقاومة وعمليات البحث عن الأسرى والمفقودين بعد التحرير، والتي تجاوزت عشرات الملايين، ساهمت فيها من أموالك الخاصة، نود الحصول على إجابتك دون تحفظ.

نعم ساهمت في تمويل المقاومة من أموال تجارتي، وساهم غيري أيضا، كما حباني الله بعدد من الموظفين المخلصين عملوا على تشغيل معدات الشركة إبان الغزو، وساهمت إيراداتها في تمويل المقاومة.

• تم أسرك في العراق خلال الاحتلال، وتعرضت للتعذيب من الاستخبارات العراقية، لكنك عاودت دخوله بعد التحرير، ومولت الكثيرين داخله بحثا عن المفقودين والاسرى؟

لا قيمة للمال دون وطن، نعم امتد تمويلي بعد التحرير عبر علاقتي بشخصيات من العشائر العراقية، وذلك لتأمين عمليات بحثنا عن الأسرى والمفقودين من أبناء الوطن، فما قيمة المال حينما تدفع بنفسك للتضحية من أجل وطنك وأرضك.

لا شماتة في الموت

• هل شُفي صدر محمد الفجي عند القبض على صدام حسين وإعدامه؟

لا شماتة في الموت لأي كائن، لكن كشعور مواطن كويتي عاش وذاق مرارة الاحتلال، وتعرض للظلم والاضطهاد والطغيان، أقول إن كل من تعرض للكويت بالسوء يلقى جزاه من الله سبحانه.

• المفهوم العام انك أكبر مستفيد من الاحتلال، لوجود علاقات تربطك بالرئيس العراقي وشعبه، وكان لك ما يزيد على 500 مليون دولار في ذاك الوقت، وشركتك كانت من أكبر الشركات في الشرق الأوسط، إلا أنك ضحيت بأموالك وتجارتك وأسرتك، وقدت المقاومة والعمل الوطني للدفاع عن الكويت، حتى أصبحت مدرسة أمام العالم، نرجو ألا تتحفظ عن الإجابة؟

حينما يكون الإنسان صادقا مع ربه، يحظى بمحبة عباده، وهو فضل عظيم من رب العالمين. بداية نشأت علاقتي مع العشائر والقبائل العراقية من خلال تجارتي التي نشأت في العراق وحدثتك عنها، والعلاقات الاجتماعية أمر طبيعي ان تحدث مع أي شخص يعمل في التجارة في بلد غير بلده، فما بالك ان تنشأ التجارة في وضع استثنائي، فكان حبهم سابقا لمعرفتهم بي لما تردد في المجتمع العراقي عن تاجر كويتي قدم مبادئه على تجارته.

• ما زلت يا بوخالد متحفظا عن الإجابة، نود أن نعرف اليوم وضع علاقتك بالعشائر والشخصيات العراقية، فلدينا معلومة أنك ساعدت كل من قدم مساعدة للكويت إبان الاحتلال؟

أعيد ما ذكرته لك بداية المقابلة، ان المبدأ يسهل خيارات الشخص، مسألة المقاومة جاءت انطلاقا من مبادئ وطنية خالصة لأرضي واهلي وشرفي، وحينما يقف المرء على رأيه ومبدأه فيه فإن ذلك بمنزلة عقيدة وجهاد، كما قال احمد شوقي «قف دون رأيك في الحياة مجاهدا، إن الحياة عقيدة وجهاد»، فالمرء حين يثبت على مبادئه يحترمه الآخرون ويزيد تقديرهم له، وهذا الأمر جعل علاقتي تزداد متانة مع من كانوا يرون في دخول العراق إلى الكويت ظلما واضحا، خصوصا لمواقفها مع العراق التي لا يمكن ان تنسى.

المقيمون والبدون

• كقائد للمقاومة ورمز لأبطال الكويت، هل شارك معك في أعمال المقاومة مقيمون عرب و«بدون»؟ وكيف كان حجم مقاومتهم؟

لا شك أن المقاومة انخرط فيها الكثير من الشرفاء، سواء كانوا مقيمين أو من فئة البدون، وكانوا رجالا بمعنى الكلمة، وضعوا أرواحهم على أكفهم وباعوها رخيصة في سبيل الكويت، استشهد منهم من استشهد، وأسر منهم من أسر، وكان بيننا تواصل وتنسيق في تخطيط وتنفيذ الكثير من عمليات المقاومة، وهناك العديد من الأسماء الشرفاء من البدون وغيرهم، والتي لا يسعني ذكرها في هذه المقابلة.

• بما أن حديثنا وصل إلى فئة «البدون»، ماذا تقول في مسألة تجنيسهم؟

للأسف أصبح اليوم ممن شاركوا في المقاومة، يخجلون من ذكر مشاركتهم أمام أبنائهم، حينما يشتكون إليه ضيق حالهم، أمام ما قدموه الى هذه الارض. اتمنى تجنيس المستحقين، الذين قاموا بأعمال جليلة لخدمة هذا الوطن العزيز.

• ما الهم الذي يحمله في قلبه محمد الفجي الآن؟

الهم الذي في قلبي ان تعود الكويت كما كانت عروس الخليج.

• سمعنا الكثير بشأن غيابكم عن الكويت سنوات طويلة، فما السبب الحقيقي في ذلك؟

«بلادي وان جارت عليّ عزيزة واهلي وان ضنوا علي كرام».

•مازلنا نبحث عن اجوبة، إلا أن صندوقك محكم الغلق... سبق ان وجه لك سؤال في إحدى المقابلات، «هل محمد الفجي مقدر في الكويت بعد كل هذه الأعمال البطولية؟»، وكان ردك ان «الشعب الكويتي وفي»، وسؤالنا لك الان، هل ثمنت الحكومة الكويتية مواقف محمد الفجي؟

- أنا لم أقم بهذا العمل لأنال جزاء أو مثوبة غير ما يمليه على ضميري وواجبي نحو وطني، ولم اتطلع يوما إلى مثوبة على اداء واجبي، كما انه قد ادى الكثير من إخواني واجبهم بل افنوا اعمارهم، ونسأل الله أن يتقبلهم شهداء عنده عن بلدهم وعن أعراضهم، فهم سطروا أروع الأمثلة في الذود عن الوطن، وجميعنا لم نكن ننتظر جزاء أو شكورا من أحد.

غياب طويل

• مازالت متحفظاً كثيراً... حجم تضحيات الفجي مازالت في نفوس أهل الكويت، فماذا يقول أبوخالد لمحبيه الذين احتفوا بعودته إلى أرض الوطن؟

من أعماق قلبي أشكر كل شخص تشرفت باستقباله لي بعد غياب طويل عن أرض الوطن الحبيبة، ولا أخفيك أنه قد دمعت عيناي بقدوم إخواني والمحبين من أبناء الوطن، فكانت لحظات شعرت فيها بقيمة كفاحنا من أجل الوطن ووفائنا له.

• اعتذرت عن تولي الجبهة الوطنية بعد التحرير خصوصا أنك كنت محل اتفاق جميع اطياف المجتمع، وتمت تزكيتك لتولي قيادتها، فما سر رفضك لها؟

الهدف ان يصبح تجمعا وطنيا هدفه دعم القيادة السياسية بعد التحرير، فكان هناك نوع من التحفظ بشأن توقيته بأن هذا التجمع قد يشكل رأيا آخر، وتصبح الأمور سلبية اكثر مما قد تكون إيجابية، خصوصا اننا كنا ارتأينا ان نكون داعمين للحكومة ووطننا في بناء الكويت الجديدة عبر عودة الحياة البرلمانية ومشاركة الشعب في النهضة الجديدة.

• ماذا يحمل محمد الفجي في قلبه وفي عقله من أمور يستطيع بها أن يخدم بلده ويساهم في بنائه الداخلي؟

ما يحمله محمد الفجي في قلبه وفي عقله هو ما يحمله كل مواطن كويتي على هذه الأرض الطيبة، وهو حب الوطن والانتماء له والعمل بإخلاص في سبيله.

مكانة الكويت

• هل يستطيع أن تقدم للكويت الان مثلما قدمت لها من قبل أيام الغزو العراقي الغاشم؟

كما قلت لك من قبل انا اعتبر نفسي جنديا من جنود هذا الوطن، وكل ما نملكه في خدمه هذا الوطن، ولن نتوانى في اي عمل يقوم ببنائه ونهضته، سواء من نصيحة أو استشارة أو علاقات تعزز مكانة الكويت وتحميها.

• سأنتقل معك إلى الشأن المحلي في وقتنا الراهن، ما هي نظرة محمد الفجي لأداء الحكومة؟

باختصار شديد، ليس على المستوى المأمول من الشعب، فالمواطنون ينتظرون الكثير من الحكومة، وأتمنى ألا يطول انتظارهم.

• هناك لغط كبير حول أداء مجلس الأمة بين المواطنين، كيف ترى أداء المجلس وطموحات المواطنين في حل كثير من القضايا؟

أداء المجلس لا يختلف عن أداء الحكومة وفق ما ورد في سؤالك السابق ، ونحن المواطنين ننتظر الكثير والكثير من المجلس لإصدار تشريعات جديدة وبناءة تساهم في وضع الكويت على خريطة العالم الاقتصادية والتجارية وحل الكثير من القضايا العالقة التي ينتظرها الشارع الكويتي.

خدمة الكويت

• لو كان محمد الفجي صاحب قرار في الحكومة، ما القرار الذي لا تتردد في إصداره من أجل نهضة الكويت وتطورها؟

من أجل النهوض بأي دولة لا بد من حزمة قرارات، فأنت تتكلم عن قيام دولة وهذا يعني بناء هياكل اقتصادية تكنولوجية سياسية اجتماعية تعليمية ثقافية وعدد كما تشاء، وتحتاج إلى بنية تحتية سليمة، لكن ممكن أن نقول إن البداية هي الرجل المناسب الشريف في المكان المناسب، وأنا أقصد هنا الرجل القوي الأمين، والحمدلله بلدنا زاخرة برجال شرفاء على قدر واعٍ من المسؤولية والرغبة الصادقة في خدمة الكويت، فأصل التنمية، هي تنمية بشر لا تنمية حجر.

• كيف يرى محمد الفجي خطة الكويت ورؤيتها نحو الريادة الاقتصادية والعالمية؟

وسط الصراعات التي نشاهدها بين أعضاء مجلس الأمة من جهة وبين غياب التعاون والتنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ومع عدم استقرار حكومي نوعاً ما، فإن الكويت تستحق الأفضل، وكنا نعتقد أن تعود الكويت درة الخليج وهو طموح كل كويتي، لكن مع الأسف الوضع الحالي لا يسر.

رسالة الفجي لأبناء الكويت

عن رسالته إلى الأبناء من جيل الكويت الحالي الذي لم يشهد فترة الغزو العراقي الغاشم، وللأجيال التي بعده باعتبار الشعب الكويتي يرى فيه النموذج الوطني المخلص للتفاني للكويت، ونبراساً يحتذى بالوطنية أمام وإن غابت بطولاته ومن معه من أبطال المقاومة عن ذكرها في مناهج التدريس، قال الفجي: بحسب تجربتي وما شهدته أثناء الاحتلال، فإن الشباب الكويتيين قدموا وسطروا ملامح العز والشرف الكرامة دفاعاً عن وطنهم الغالي، وهو ما أراه في أعين أبنائنا من هذا الجيل، واستشعر فيه، ومهما كانت المحاولات لتغير هذا المفهوم فالروح الوطنية مغروسة في أبنائنا وهم حزام أمن هذا الوطن ومستقبله، ولولا هؤلاء النشء الصالح لما وجدت هذه الغريزة في دمائهم.

وقال الفجي: «لدي أمل كبير وبلا حدود في شبابنا وبناتنا، فالكويت عزيزة عليهم أكثر من حياتهم، ورغم كل المحاولات لإعطاء انطباع خاطئ عن الشاب الكويتي فإننا نقول إن هذا الأمر يزيده دافعاً في حب الكويت والتضحية والدفاع عن كل ما يسوء وما يحاك ضد هذا الوطن الغالي، فكلنا نعرف اليوم الفساد المستشري والذي وجع القلب في الواقع».

وأضاف»: ما أراه من هؤلاء الشباب أن حسهم الوطني يزيد خوفاً على هذا الوطن، وهو ما نراه منهم في محاربة الفساد والخلل أينما كان في الوطن لأن الروح الوطنية مغروسة فيهم، وهي حصن وطننا الغالي، ونعمة من الله أن يولد الكويتي ومعه حبه لوطنه وتفانيه من أجل رفعة وطنه، وما المقاومة إلا صوره من صور الروح الوطنية التي نراها ممتدة إلى يومنا هذا بشتى الصور بين الشباب الكويتيين والذي سيأتي يوم ويجنون ثمار ما بذروه في حماية الوطن ورفعته شأنه، خصوصاً أن الشعب الكويتي مدرك لحجم التضحيات التي قدمها شهداؤهم لوطنهم ولهم.

... ومازال الصندوق الأسود للفجي مغلقاً للمصلحة الوطنية

آثر ضيفنا تقديم المصلحة الوطنية، رغم أن لقاء «الجريدة» الصحافي مع بطل الكويت محمد الفجي «بوخالد»، كان مليئاً بحقول الألغام، فكثير من الأسئلة المطروحة كان شديد التحفظ عن الإجابة عنها، وأسئلة أخرى فضّل عدم التطرق إليها قطعاً، لأسباب عديدة أبرزها لما يربط البلدين الكويت والعراق حالياً من علاقات سياسية ودبلوماسية، وبعضها الآخر رأى بتقدير منه أنه لم يحن وقت الكشف عنها، وأن أخرى لا تخدم مصلحة البلاد في ذكرها، فكانت إجاباته عنها بالمجمل أنها «لا تخدم المصلحة العامة، ولا مصالح البلاد وجهودها في ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة»، لكنه وعدنا بكشف أجزاء أخرى من التفاصيل في المستقبل، فإلى الآن وضيفنا العزيز والرمز الوطني الكبير يقدم المصلحة والوطنية على المصلحة الشخصية.

دول الخليج صورت الجسد الواحد أمام الدول

تناول الفجي مواقف الأشقاء الخليجيين مع الكويت إبان الاحتلال العراقي مؤكداً أن موقف دول الخليج مع الكويت لا ينسى أبداً، «بل ضربت أروع الأمثلة في تصوير الجسد الخليجي الواحد وروح التضحية التي بذلتها من أجل الكويت ومن أجل أمنها، وعززت أواصر الأسرة الواحدة وقرابة الدم، التي هي أصل الرابط بين هذه الدول، بل أحدثت مفهوماً لدى دول العالم بعلاقات دول الخليج ورابط الدم التي تجمعها، وهو ما قد يكون مفقودا بين أنظمة دول العالم الكثيرة».

أزمة الإقليم مفتعلة

بسؤاله عن الأزمات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، وهل يرى أن الكويت في مأمن منها أو أن الحكومة قادرة على التصدي لها، أفاد الفجي بأن الأزمات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة مفتعلة، «لكن يُتوقع غير المتوقع دائماً في مثل هذه الازمات، فنحن ليس بمنأى عن آثارها والله يحفظنا ويحفظ دولنا منها، ونسأل الله بمن أراد بنا سوءاً أن يرد كيده في نحره، وفي مثل هذه الظروف الحساسة أتمنى من الله كما أتمنى من أبناء هذا الوطن الغالي أن تلتم اللحمة الوطنية كما كانت أثناء الاحتلال الغادر، وسطرت فيها أسمى صور الوحدة الوطنية والتراحم والتضحية فكانت مثالاً للعالم».