لأن هذا الموضوع هو «المأخذ» الأول على الناشطين حين طرح قضية البدون، ولأن الترويج له هو الأسلوب الأنجع لقلب الطاولة على كل محاولات الحقوقيين للدفع بحل القضية، لابد من طرح السؤال بوضوح ولابد من الإجابة عنه بوضوح كذلك رغم أنني وغيري العديدين سبق لنا أن عبرنا وقلنا وشرحنا بكل صيغة وأسلوب ممكنين. السؤال هو: هل يسعى الحقوقيون، إن صح وضعهم في قالب واحد وهم ليسوا كذلك ولكنني أعمم للتسهيل وأتكلم نيابة عن السواد الأعظم ممن أعرف وأعمل معه من هؤلاء الحقوقيين لمعرفتي الجادة بفكرتهم، أقول: هل يسعى الحقوقيون إلى الدفع بتجنيس كل فرد عديم الجنسية على أرض الكويت؟ هل شعارنا هو تجنيس كل «بدون» على أرض الكويت؟

لو كان الحال غير الحال، لو كنا في بلد غير محتقن بظروفه السياسية ومحيطه، لو كنا في مجتمع غير ضارب في تقاليده التي تسيطر عليها فطرة التفوق العرقي ونقاء الدم، لقلت، والكلام هنا لي وحدي، إن التجنيس، وإن أتى بتحديات، إلا أن فوائده ستكون أعظم وأجم. فبإمكانيات مادية مثل تلك التي لبلدنا، وبعددنا القليل وبمساحتنا الجغرافية السهل السيطرة عليها، يمكن أن يتم تجنيس وإعادة تأهيل عديمي الجنسية ليصبحوا قوة عاملة ومؤسسين لبنية تحتية قوية وإضافة عظيمة إلى البلد بجيشها ومدرسيها وممرضيها على وجه الخصوص، وهي المجالات التي نفتقر فيها إلى الأعداد المحلية خصوصاً.

Ad

لكن الحال هو الحال، والمجتمع لا يمكن أن يرى نتيجة هذه الفكرة ببعدها الزمني، كما أن الظروف المحيطة زرعت من الخوف أكثر مما تحتمل إنسانيات الناس وعدالة أحكامهم ومنطقيتها، وهذا ينطبق علينا جميعاً، أي على الشارع عامة، لذا لابد من وجود مطالبة حقوقية واضحة ومعقولة وقابلة للتطبيق، مطالبة تحافظ على حد أدنى من الحق الإنساني في الانتماء، ولكنها لا تضغط كثيراً على مخاوف الناس ولا على تحيزاتهم الغائرة في اللاوعي والتي تجعل من فكرة التجنيس كأنها مؤامرة ضد البلد، وهي الفكرة التي تستخدمها الحكومة، بكل أسف، لتأليب الرأي العام على التجنيس حتى بأدنى صوره.

الحقوقيون، وبالأخص منصة الدفاع عن «بدون» الكويت، يرون أن التجنيس لابد أن يكون أحد الجوانب الرئيسية للحل، بحيث يأتي مشتملاً على الفئات التي طالما طرحتها الحكومة هي بحد ذاتها، وعلى أساس معايير واضحة وشفافة يتم التوافق عليها بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، وبحيث لا تكتفي هذه المعايير فقط برعايتها للهوية الوطنية التي تردد ذكرها الحكومة دون تعريف واضح ومحدد لها، ودون تحديد دقيق يكشف عن طبيعتها، ولكن أن تشتمل هذه المعايير كذلك على مبادئ العدالة والحقوق الإنسانية والاستحقاق المدني بجانب التاريخي.

لربما أولى الفئات التي تخطر على البال هي فئة إحصاء 65 كما ذكرتها الحكومة في أكثر من تصريح، ثم فئة العسكريين، وفئة أبناء الكويتيات، على أن تتم عملية تجنيس هؤلاء في أسرع وقت تجنيباً لهم من المرور بالمزيد من المعاناة وإهدار المزيد من سنوات العمر. إبان ذلك، يجب على الحكومة أن تسعى إلى حل مشكلة المتبقين من عديمي الجنسية بكل عدالة وإنسانية، سواء عن طريق تجنيس المزيد ممن يثبت استحقاقهم وفق المعطيات أعلاه، إعطاء إقامات دائمة، فتح باب الهجرة لمن يرغب، خلق قنوات تجنيس مستقبلية بشروط تقررها وتضعها الحكومة والمؤسسات المدنية توافقياً، وغيرها من الخطوات. وبلا شك، فإن أحد أهم مسارات الحلول هو اللجوء إلى القضاء، حتى يتسنى للحكومة أن تقاضي من تدعي تزويرهم وحتى يتسنى للبدون أن يقاضوا من يدعون أنه تعدي على حقوقهم واستحقاقاتهم، وقبل كل حل وبلا أدنى تأخير، ضمان جميع الحقوق الإنسانية للجميع دون تمييز. أي مبالغة في هذه الحلول وأي مثالية يُتهم بها الحقوقيون وأي تهديد للنسيج الاجتماعي يروج له مع كل محاولة للحديث الحقوقي حول الموضوع؟ إن ما نطرحه في الواقع يعد حداً أدنى في عُرف الطرح الإنساني الحقوقي، فأي اعتراض يجد الشارع في الحد الأدنى، وإلى أين سنذهب دونه؟

لسنا مثاليين، وليتنا كنا نستطيع أن نكون، لسنا حالمين، ولسنا راغبين في التعارك بسيوف من خشب، الزمن والخبرة وطول طعم المرار في النفس تعمل الكثير، نريد حلاً بأقل الخسائر وبحد مقبول من العدالة والإنسانية وبالتماشي مع ما صرحت وتصرح به الحكومة بحد ذاتها في سنواتها الطويلة، وبالالتجاء إلى القضاء، الالتجاء إلى هذه الجهة الحافظة لتوازننا وأمننا، فما المشكلة في ذلك؟ وعلام محاولة إظهار كل محاولاتنا بغير هذه الصورة؟ لصالح من يستمر الوضع المتشرذم هذا على ما هو عليه؟