الدعوى الدستورية الأصلية

Ad

تناولت في مقالين متتالين يوم الأحد 14 و21 الجاري المنظومة التشريعية تحت عنوان على هامش دور الانعقاد العادي الثالث، وما جاء في الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس الأمة من أنه لم يوافق على نص في قانون المحاماة لشبهة عدم دستوريته، ولكن الأغلبية وافقت عليه، وإن مجلس 2012 قد فتح باباً كان مغلقاً منذ صدور قانون المحكمة الدستورية سنة 1973، وهو حق كل فرد في الالتجاء إلى المحكمة الدستورية بدعوى أصلية مباشرة بعدم دستورية هذا القانون أو غيره.

والواقع أن القضاء الدستوري يحتل مكانة خاصة في الدول التي تأخذ بنظامه، توجب عليه المحافظة عليها من خلال تقييد اختصاصه بقيود ذاتية يفرضها على نفسه، تلافياً للاحتكاك بالسلطة التشريعية.

وقد فسر البعض هذه القيود الذاتية التي فرضتها المحكمة الاتحادية العليا الأميركية في رقابتها على القوانين التي يصدرها الكونغرس، بأنها تصون بها رقابتها وتحميها من أي محاولة للنيل منها أو تقليصها. SH apiro (M) and tresolinil (R.J) American constional law. 6 th ED. 1983 P67

ومن هنا كان الموقف المتشدد الذي وقفته المحكمة الدستورية في الكويت من عدم قبول الدعوى بعدم دستورية قانون، ولو كانت قد أحيلت من المحكمة التي تنظر في المنازعة الموضوعية، بناءً على دفع أبداه أحد إطراف المنازعة، إذا كان رافع الدعوى قد نعت القانون بعدم دستوريته في صحيفة الدعوى المرفوعة أمام محكمة الموضوع.

وهو موقف لم يكن يبرره أبداً أن الرقابة الدستورية هي رقابة هدفها صون الدستور وحمايته، ولكن كان المبرر الوحيد لهذا الموقف هو حرص القضاء الدستوري على ألا يقحم نفسه في معركة إحدى السلطتين الأخريين.

لذلك يعتبر تعديل قانون المحكمة الدستورية في الفصل التشريعي السابق لإقرار حق الفرد في رفع دعوى أصلية مباشرة أمام المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون هو إنجاز تشريعي بحق يحسب لهذه المحكمة.

ولعل من هذه القيود الذاتية أيضاً:

• قرينة الدستورية لصالح التشريع:

وتعني هذه القرينة، أن الأصل هو أن التشريع الذي تراقبه السلطة القضائية يتمتع بقرينة الصحة والسلامة، أي يفترض فيه أنه صدر متفقاً وأحكام الدستور، وعلى من يشكك في هذا أن يقيم الدليل القاطع على عدم دستوريته، وهي قرينة تماثل قرينة الصحة والسلامة في القرار الإداري عند الطعن فيه بالإلغاء.

• القضاء الدستوري قضاء احتياطي:

فلا تفصل المحكمة في دستورية القانون المطروح عليها، إذا كان الفصل في الدعوى الموضوعية ممكناً بتطبيق قانون آخر على النزاع لم يطعن فيه أمام المحكمة الدستورية، أو لم تكن به أي شائبة دستورية.

فلا تفصل المحكمة الدستورية في الدعوى الدستورية وتقضي بعدم قبولها أو أنه إذا انتفى الارتباط بين عدم دستورية القانون الطعين وبين طلبات الخصوم في الدعوى الموضوعية، إذا أمكن الفصل في الدعوى الأخيرة، وفقاً لتفسيرٍ للقانون يتوافق مع دستوريته، إذ يتحول الدفع بعد دستورية القانون المقدم إلى محكمة الموضوع، دعوى أصلية بعدم دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية، بالمخالفة لقانون المحكمة.

(المحكمة الدستورية العليا في مصر- جلسة 1/2/1992 - القضية رقم 35 لسنة 11 القضائية الدستورية).

• إنها عملية قضائية فنية بحتة:

لا يخرج ما تباشره المحكمة الدستورية عن طبيعة الأعمال القضائية، وعن بحث الشرعية الدستورية للقوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، من حيث مدى مطابقتها لأحكام الدستور، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية بالكويت حين قضت بأن عمل القاضي الدستوري عمل قضائي من أعمال وظيفته، والمحكمة لا تباشر في ذلك، أو في أعمالها للرقابة إلا وظيفة فنية ذات طابع قانوني مجرد، فهي تتخذ من ظاهر النص التشريعي أساسا لفحص دستوريته، وتستبعد في ذلك كل عنصر غير دستوري. (جلسة 14/6/1986- 3 لسنة 86 تفسير دستوري)

• ليست عملاً سياسياً:

وهو ما قررته المحكمة الدستورية بالكويت في طلب التفسير رقم 3 لسنة 1986.

إن طلب السلطة التنفيذية تفسير نص في الدستور، اختَلف فيه رأيها مع رأي السلطة التشريعية، ليس في ذلك خلط بين العمل السياسي والعمل القضائي، ليس في هذا ابتداع أسلوب للرقابة السياسية لم يقرره الدستور، وإنما يستهدف بذلك الوقاية من خطر صدور قانون غير دستوري، وليس بإمكان الجهة القضائية مباشرة ذلك إلا بناء على طلب الهيئة السياسية المختصة، كالهيئة التشريعية أو الهيئة التنفيذية، وتكون الرقابة القضائية حينئذ مرتبطة بالرقابة السياسية ونتيجة لها.

كما لا يجوز أن تحمل هذه الرقابة أي نوع من التوجيه السياسي للسلطتين الأخريين، أو أن تتسلط عليهما بأي نوع من أنواع التسلط بمناقشة المسائل السياسية التي تتشعب فيها الآراء وتختلف فيها السلطتان، أو تختلف فيها الأحزاب والتكتلات السياسية، أو تبدي رأيها في كل ذلك.

• الرقابة الدستورية القضائية ليست عملاً تشريعياً:

- ولئن كانت أحكام «الدستورية» بعد دستورية القوانين ملزمة للكافة ولسائر المحاكم طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 1973 المشار إليه، وتنشر الأحكام ومرفقاتها في الجريدة الرسمية وأن الحكم بعدم الدستورية يلغي قوة نفاذ النص التشريعي فيغدو معدوماً من الناحية القانونية، ويسقط كتشريع من تشريعات الدولة (حكم المحكمة العليا في مصر في الدعوى الدستورية رقم 8 لسنة 3 القضائية بجلسة 11/12/1976)، إلا أن ذلك لا يخلع على هذه المحكمة اختصاصاً تشريعياً ولا يحمل ما تباشره على أنه من أعمال التشريع، كما أنه لا يمس في قليل أو كثير مبدأ الفصل بين السلطات، طالما أنها تقوم بعملها وفق الإطار الذي رسمه الدستور، وليس في ذلك إهدار للمبدأ ذاته (المحكمة الدستورية في الكويت - جلسة 14/6/1986 ق3 لسنة 86).

بهذه القيود حافظت المحاكم الدستورية على بقائها وقوتها فوق الأهواء والخلافات السياسية.