أثار قرار الحكومة العراقية القاضي بحل فصائل الحشد الشعبي ودمجها مع مؤسسات الدولة جدلا واسعا في الشارع العراقي بين مؤيد ومعارض لذلك القرار، وقد يكون ظهور الحشد الشعبي في البداية ضروريا وملحا على الساحة العراقية، وذلك بعد ظهور إرهاب "داعش" وتمكنه من اجتياح الموصل، وهزيمته للجيش العراقي الذي بدا مفككا وضعيفا ومنهارا، وكان ذلك عام 2014.

ظهر الحشد الشعبي والعشائري في تلك الظروف وبدعم من المرجعية الدينية، فكان له دور فعال في محاربة الإرهاب، وكانت له تضحيات كبيرة، ولما تولى الرئيس العبادي رئاسة الوزارة، وأصبح القائد الأعلى للجيش العراقي جعل مهمته الرئيسة بناء الجيش العراقي والقضاء على الإرهاب والانتصار عليه، وبالفعل أعاد بناء الجيش وتمكن من هزيمة الإرهاب، واحتفل بعيد النصر، ومن ثم أصدر قرارا بحل الحشد الشعبي إيمانا منه بضرورة حصر السلاح في يد الدولة، وأن يكون للدولة جيشٌ وطني هو الوحيد المسؤول عن الدفاع عنها.

Ad

ونظرا لعدم تمكن العبادي من الفوز برئاسة الوزارة مرة أخرى جُمد قرار الحل، إلا أن حكومة د. عادل عبدالمهدي أصدرت قراراً الأسبوع الماضي يقضي بحل فصائل الحشد الشعبي؛ مما يعني أن هذه المشكلة أصبحت مطلبا عراقيا. ويُعتقد أن فصائل الحشد الشعبي قد تكونت في 18/ 6/ 2014 استجابة لدعوة المرجع الديني علي السيستاني للشعب العراقي إلى حمل السلاح لمواجهة تنظيم "داعش" الذي سيطر على ثلث أراضي العراق حينها، ووصفت فتوى السيستاني فقهيا بالجهاد الكفائي، إذ دعا كل من يستطيع حمل السلاح للتطوع لقتال "داعش" ونادى بالتعبئة الشعبية لدرء خطر التنظيم الإرهابي.

ولم ينضوِ من لبى دعوة السيستاني للقوات الرسمية، بل وجدوا في ميليشيات مسلحة كانت قائمة بالفعل مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، ومنظمة بدر، وسرايا السلام، والنجباء، وكتائب سيد الشهداء، ويعتقد أن هناك أكثر من أربعين فصيلا منضوية تحت ما يسمى الحشد الشعبي، وتوحدت تلك الميليشيات تحت مسمى الحشد الشعبي، ومن ثم شكلت نواته، وحظيت تلك الميليشيات بدعم وتدريب وتمويل من نظام طهران، وكان قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني هو من يتولى الاتصال والتنسيق مع تلك الميليشيات.

وأصبح لتلك الفصائل صحافتها وقنواتها التلفزيونية الخاصة بها وميزانيتها، وادعى بعضها أنه يملك سلاحا أقوى من سلاح الجيش، وأعلن بعضهم أنه لن يستطيع أحد حل الحشد، وأنه سيقطع اليد التي تمتد لحله. وادعى أن قرار الحل جاء نتيجة لضغوط أميركية ومن دول الخليج التي أخافها نمو قوة الحشد وتطوره، خصوصاً بعد إسقاط الطائرة الأميركية المتطورة التي أسقطت بنيران الحشد وليست من إيران كما ادعت أميركا.

والحقيقة التي نتمنى أن يتفهمها ويدرك كنهها كل عراقي محب للعراق ومستقبله أن عليه أن يدرك أن قرار الحكومة العراقية بحل الميليشيات وحصر السلاح في يد الدولة قرارٌ حكيمٌ لمصلحة العراق الذي أنهكته الحروب والنزاعات، فعلى الشعب العراقي أن يدعم ذلك القرار، خصوصا إذا علمنا أن بعض تلك الميليشيات تأسست في إيران وموالية لنظام طهران أكثر من ولائها للدولة العراقية.