يؤكد الأهالي في محافظة نينوى أنهم «ولدوا من جديد»، بعد تخلصهم من تنظيم داعش قبل عامين، رغم حديثهم بألم عن وجود كثيف، في مختلف مفاصل حياتهم، للميليشيات المقربة من إيران، وهو حضور كان يفترض أن يكون مؤقتاً، لكنه يصبح في حكم الأمر الواقع الراسخ يوماً بعد آخر، ويثير قلقاً جدياً على المستقبل، حسبما أفاد موصليون التقتهم «الجريدة» خلال جولة هناك إبان الذكرى الثانية لتحريرها.

وتعد الموصل ثاني أكبر مدن العراق، وأكبر تجمع ذي غالبية سنية في البلاد، وساهمت بنحو مؤثر في تأسيس الدولة الحديثة، وتتضمن تنوعاً قومياً ودينياً معقداً أنتج مجتمعاً متميزاً يتعاطف معه المحيط المحلي والدولي بنحو كبير.

Ad

ورغم أن تحرير الموصل كان بارقة أمل عند أهلها لعودة الدولة والحكومة المركزية، فإن الواصل إلى مداخلها من جهة أربيل شرقاً، أو بغداد جنوباً، يفاجأ بعبارات فارسية تمجد المرشد الإيراني علي خامنئي.

كما أن جوامع عتيقة مهمة لدى الموصليين والعراقيين جرى تشويه جدرانها وقبابها بكتابات تحمل حساسية طائفية، رغم جهود منظمة اليونسكو البطيئة لإزالة رسائل الكراهية الدينية هذه، وتقليص أثرها في نفوس الأهالي.

وتحمّل الجيش النظامي العبء الأكبر في تحرير المدينة، خلال معركة بالغة الشراسة استمرت شهوراً، لكن ميليشيات مقربة من إيران راحت تدير معظم الملف الأمني لاحقاً، وقالت الحكومة قبل عامين إن هذا وضع مؤقت ناتج عن إرهاق شديد لحق بالقطاعات الأمنية الحكومية. ومع مرور الأيام نجحت الميليشيات في فرض نفوذ أكبر، حتى إنها تدخلت في تعيين حاكم جديد لنينوى مقرب من الجناح المتحالف مع إيران في برلمان العراق.

ولفت الموصليون أنظار الرأي العام المحلي والدولي بمبادراتهم السريعة إلى استعادة الحياة في مدينة هُدم أكثر من نصفها خلال الحرب، وعبروا عن ذوق مدني نادر في صوغ المبادرات لمحو آثار «داعش».

ويقول أكاديميون ورجال أعمال وناشطون التقتهم «الجريدة»، في جولتها الموصلية، إن الميليشيات القادمة من بعيد لم تصبح جزءاً من الحياة الاقتصادية والسياسية هناك فحسب، بل فرضت رموزاً ذات بعد طائفي، وأحياناً ترمز إلى التبعية المباشرة لإيران، وهو أمر ينتج غضباً بين الأهالي يبقى اليوم بمستوى الهمس، لكن لا أحد يعلم كيف سيتطور قريباً، وإلى أي مستوى قد يعيد العنف مجدداً، وليس ذلك ببعيد عن تحذير أطلقته مؤخراً مرجعية النجف الشيعية بشأن المناطق المحررة من «داعش»، محذرة من أن تؤدي سياسات خاطئة إلى «عودة الآلام والمحن».

ويتحدث الموصليون بألم عن إخفاقهم في الاحتجاج المنظم على الأوضاع الخاطئة في مدينتهم، ويقولون إن الشباب في البصرة والنجف مثلاً يمتلكون حق إزالة رموز إيران وصور مرشدها من شوارعهم بشجاعة خلال المظاهرات، أما الموصلي فسيتهم بأنه إرهابي داعشي لو حاول الاعتراض!

ويردد معظم العراقيين أن إهمال الموصل يهدد بتضييع التضحيات الكبيرة، التي بذلت في سبيل تحريرها، وحين يصل الأمر إلى فرض رموز إيرانية في المدينة فإنه تحريض مباشر على مواجهة عنيفة في المستقبل.

ويتساءل موصليون: لماذا تحضر الميليشيات المقربة من طهران، بينما تغيب عن الموصل قوى شيعية معتدلة تحتفظ بعلاقة متوازنة مع بقية العراقيين، إذ وجد رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، وزعيم التيار الصدري المتحالف مع العلمانيين مقتدى الصدر، قبولاً واسعاً وسط الموصليين، وتحالفوا مع رموز نينوى السياسية في الانتخابات والبرلمان.

ويؤكدون أنهم يثابرون، رغم كل شيء، في استعادة الحياة الاقتصادية والثقافية بهذه الحاضرة الفاعلة تاريخياً، لكنهم يترقبون من الحراك السياسي المعتدل في البلاد والشراكات الدولية مع العراق، مساعدةً أوضح لتصحيح الأوضاع هناك قبل فوات الأوان.