تبدو كتب السيرة الذاتية ملتبسة ومتوارية في وطننا العربي، فحتى اللحظة ليس من مؤسسات أو دور نشر متخصصة في كتابة ونشر كتب السيرة الذاتية، سواء كانت للشخصيات البارزة والمؤثرة في مختلف مناحي الحياة الفكرية والعلمية والثقافية والفنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والرياضية وغيرها، أو كانت للمؤسسات الرسمية والأهلية.

كتابة السيرة الذاتية، هي مزيج من كتابة التاريخ والتوثيق والرواية والذكريات، وأخيراً المشاعر والمواقف الإنسانية.

Ad

وبات معروفاً في أوروبا وأميركا وجود دور نشر وشخصيات متخصصة بتدوين ونشر السير الذاتية، مما يعطي مصداقية لهذه الدور، وكذلك لتلك الشخصيات العاملة في هذا المجال.

كتاب "جابر... الكويت كما أذكرها"، أحد الكتب النادرة التي يبادر أحد أبناء أسرة الصباح الكرام، الشيخ جابر العبدالله الجابر (1930 - ) بتوثيق ذكرياته مدعّمة برسوماته عن دولة الكويت، وهنا لابدّ من الإشادة الكبيرة بالابنة البارة الشيخة منى الجابر العبدالله، التي قامت بجمع وتبويب وإصدار هذا العمل التاريخي المرجعي الكبير والمهم.

الكتاب ينشر أكثر من 170 لوحة توثيقية بريشة وشروحات قلم الشيخ جابر، مسجلاً فيها مشاهد نابضة من الحياة اليومية في كويت الماضي، شاملة: الأماكن والمناطق، والقصور والمباني، ومشاهد من مدينة الكويت قديماً، وحياة البر، وحياة البحر، وصيد الأسماك، والطيور في الكويت، وصيد الطيور.

إن نقصاً كبيراً يعتري كتابات التاريخ لدولة الكويت، فمنذ أصدر الشيخ عبدالعزيز الرشيد (1887 - 1938) كتابه المرجع "تاريخ الكويت" عام 1926، وما تلاه من كتب، فإن معظم هذه الكتب يقف عند استقلال الكويت ونشأة الدولة الحديثة، باستثناء بعض الكتب التي تناولت بشكل أو بآخر تاريخ الكويت ما بين الستينيات وحتى الغزو العراقي الغاشم عام 1990. فإن ملاحظة كبيرة تبرز وتتعلق بكتب التاريخ الكويتي الحديث، وغيابها عن المنهج المدرسي بصيغتها العلمية الصحيحة، واكتفاء مناهج وزارة التربية بحوادث عن تاريخ الكويت من هنا وهناك، دون وجود أي رابط بينها.

كتاب "جابر... الكويت كما أذكرها" يقدم مادة متفردة في بابها، فهو مشاهدة شاهد عيان عاش وعايش المجتمع الكويتي البسيط، الذي كان أهله يعيشون داخل سور 1920، ويشمل أحياء: شرق وقبلة والمرقاب، وبعض المناطق الأخرى كالجهراء والفنطاس والفحيحيل والشعيبة. وهذه مادة ثرية لا تعرفها أجيال كثيرة من أبناء الكويت، وتحديداً الأجيال الناشئة، وخاصة أن هذه المادة تأتي مدعّمة بصور مرسومة بريشة الشيخ جابر شخصياً، وشروحات تقدم ملمحاً دالاً لطبيعة المجتمع الكويتي وقتذاك.

تصفّح الكتاب يعود بالقارئ إلى ذاكرة وطن، بدءاً بأسماء الأحياء/ الفرجان والبرايح، مروراً بأسماء العوائل والتجاور فيما بينها، وعبوراً على المهن التي كان الكويتيون يمارسونها، يوم كان الكويتي متكفلاً بجميع شؤون حياته، وانتهاء برسومات تبيّن طبيعة الحياة الاجتماعية التي كان الكويتيون يحيونها قبل اكتشاف البترول وتصديره عام 1946، وبالتالي انتقال المجتمع والدولة إلى عالم الحداثة، وإغلاق الباب بوجه ذلك التاريخ الثري.

تعاني الكويت اليوم، معاناة كبيرة، غياب الإرث المعماري والتاريخي الاجتماعي، وذلك بسبب هجمة شرسة وغير واعية رافقت انتعاش الحياة الاجتماعية في الكويت، وجاءت على الأخضر واليابس من تاريخ المجتمع الكويتي المعماري، ومن الإرث الاجتماعي لدولة الكويت. وبالتالي انقطاع أجيال كويتية كثيرة عن التواصل مع تاريخ وطنها وحيواته السابقة.

"جابر... الكويت كما أذكرها" يسدّ حاجة كبيرة وملحّة في المكتبة الكويتية والعربية، لفترة مهمة من تاريخ دولة الكويت، خاصة أنه يقدم إلى جانب الرسومات شروحات وافية وبسيطة في لغتها وصدقها، ولهذا نرى ضرورة أن تبادر وزارة التربية بتبني فكرة إدخال جزء من مادة الكتاب لمناهج المدارس، وكذلك تنظيم لقاءات وورش عمل تخص مادة الكتاب، وبالتالي مدّ الجسر الأهم بين أبناء الكويت اليوم وبين تاريخهم القريب.

نبارك للشيخ جابر العبدالله، ولكريمته الشيخة منى الجابر هذا الإصدار المهم، ونشدّ على همتهما وعزمهما على إصدار تاريخي كنا في أمسّ الحاجة إليه.