وفقا للنسخة الأخيرة من تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بعنوان التحول العالمي في مجال الطاقة: خريطة طريق حتى عام 2050، فإن هناك طرقا لتلبية 86 في المئة من الطلب العالمي على الطاقة باستخدام الطاقة المتجددة.

وأضاف التقرير، أن الكهرباء ستغطي نصف مزيج الطاقة النهائي العالمي، وستزداد إمدادات الطاقة العالمية بأكثر من الضعف خلال هذه الفترة مع توليد جُلها من الطاقة المتجددة، التي تأتي في معظمها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

Ad

ويقول أحد المسؤولين بالوكالة الدولية، إن "السباق من أجل تأمين مستقبل آمن للمناخ قد دخل مرحلة حاسمة".

أكثر فاعلية

وأضاف، أن "الطاقة المتجددة هي الحل الأكثر فاعلية والمتوفر بسهولة لأجل عكس اتجاه ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويمكن لمزيج من مصادر هذه الطاقة وإمداد أعمق بالكهرباء وتحسين كفاءة الطاقة أن يحقق أكثر من 75 في المئة من الحد من الانبعاثات المرتبطة بالطاقة".

ولعل التحول السريع في مجال الطاقة بما يتماشى مع خريطة الطريق لعام 2050 من شأنه أن يوفر على الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 160 تريليون دولار بشكل تراكمي على مدار السنوات الثلاثين المقبلة، فيما يتعلق بتجنب التكاليف الصحية، ودعم الطاقة والأضرار المناخية.

وبالنظر إلى كل دولار يتم إنفاقه على تحويل الطاقة فإنه سيؤتي ثماره سبعة أضعاف، وسينمو الاقتصاد العالمي معه بنسبة 2.5 في المئة في عام 2050.

الأضرار المناخية

ومع ذلك، يمكن للأضرار المناخية أن تؤدي إلى خسائر اجتماعية واقتصادية ضخمة.

ويشير أحد المحللين إلى أن "التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة له مغزى اقتصادي"، مضيفا "وبحلول منتصف القرن الحالي، سيكون الاقتصاد العالمي أكبر وستزيد الوظائف التي يتم توفيرها في قطاع الطاقة من فرص العمل العالمية بنسبة 0.2 في المئة. ويمكن للسياسات الرامية إلى تعزيز تحول عادل ومنصف وشامل أن تزيد من الفوائد بالنسبة لمختلف البلدان والمناطق والمجتمعات".

وأفاد بأن من شأن ذلك أيضا أن يعجل من الوصول إلى طاقة بأسعار عالمية وميسورة، لافتا الى أن "التحول العالمي في مجال الطاقة يتجاوز مسألة التحول في قطاع الطاقة، لأنه سيعد تحولا لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا".

وبالعودة الى تقرير الوكالة الدولية للطاقة، فإنه يحذر من أن الجهود المبذولة حاليا غير كافية، ففي حين استمرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة في النمو بأكثر من 1 في المئة سنويا في المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية، فإن الانبعاثات ستحتاج إلى الانخفاض بنسبة 70 في المئة عن مستواها الحالي بحلول عام 2050 لتحقيق الأهداف العالمية المتعلقة بالمناخ، وهذا يستدعي زيادة كبيرة في الطموح الوطني، والمزيد من الأهداف الجادة في مجال الطاقة المتجددة والمناخ.

استراتيجيات طويلة

وتوصي الوكالة الدولية للطاقة المتجددة بأنه يتعين على السياسة الوطنية أن تركز على الاستراتيجيات طويلة الأجل المتسمة بمعدل صفر من الانبعاث الكربوني.

وتسلط الوكالة الضوء على الحاجة إلى تعزيز واستغلال الابتكار النظامي، إذ يشمل ذلك تعزيز أنظمة الطاقة الأكثر ذكاء من خلال الرقمنة، بالإضافة إلى اقتران قطاعات الاستخدام النهائي، لاسيما التدفئة والتبريد والنقل، من خلال إمداد كهربائي أكبر وتعزيز اللامركزية وتصميم شبكات طاقة تتسم بالمرونة.

وبالنظر إلى أن قضية التحول في مجال الطاقة تكتسب زخما، إلا أنه يجب أن يتم تحفيزها بشكل أسرع.

مستوى الطموح

كما أن أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، واستعراض التعهدات المناخية الوطنية في إطار اتفاق باريس هي علامات بارزة لرفع مستوى الطموح.

بيد أن العمل العاجل على الأرض أصبح أمرا ضروريا على جميع المستويات، لاسيما فتح أبواب الاستثمارات اللازمة لتعزيز زخم هذا التحول في مجال الطاقة، وستكون السرعة والقيادة الاستشرافية أمرا بالغ الأهمية– حيث يعتمد العالم في عام 2050 على قرارات الطاقة التي نتخذها اليوم.

الطاقة الكربونية

من جانب آخر، يطالب المتظاهرون في جميع أنحاء العالم بخفض إمدادات الطاقة الكربونية من أجل الحفاظ على البيئة، ومع ذلك، أخفقت في ألمانيا، سياسة Energiewende (تحويل الطاقة) التي كان من المفترض أن تستجيب لهذه المطالب، في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ويرى خبراء أن جزءا كبيرا من المشكلة يتمثل في أنه رد على المواقف الطويلة الأمد المناهضة للطاقة النووية، فإن صانعي السياسة يهدفون إلى التخلص التدريجي من الطاقة النووية، وفي الوقت نفسه الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لاسيما الرياح والطاقة الشمسية.

ويؤكد هؤلاء الخبراء انه عن طريق تعلم تسخير طاقة الرياح، والماء، والنار، (حرق الأوراق والخشب)– أي ما نسميه، اليوم، مصادر الطاقة المتجددة- اكتسب أجدادنا الأوائل السيطرة على الطبيعة، إلا أنه في الوقت نفسه فإن مصادر طاقاتهم كانت ضعيفة، وكانت متاحة فقط عندما يسمح الطقس بذلك ولذلك، وكانت مستويات معيشتهم منخفضة، وكانت حياتهم قصيرة، وكان عددهم قليلا.

ولعل الأمر قد تغير جذريا، خاصة مع بدء الثورة الصناعية، لأن البشر قد تعلموا ضخ الطاقة في المحركات عن طريق حرق الفحم، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى النفط والغاز.

وشكل الوصول إلى مصادر الطاقة القوية هذه معظم التطورات الاقتصادية والسياسية خلال الـ 250 عاما الماضية. إذ زاد، آنذاك، عدد سكان العالم بثمانية أضعاف، وتضاعف متوسط أمد الحياة المتوقع، وتحسنت مستويات معيشة الناس إلى درجة كبيرة.

ولعلنا نقف الآن على عتبة ثورة طاقة جديدة، إذ لم تعد فوائد الوقود الأحفوري تفوق التكاليف، ولا تزال الطاقة المتجددة القياسية ضعيفة وغير موثوق بها تماما كما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.

سياسات واقعية

ويبدو أن العالم لن يحصل على الطاقة الحقيقية التي يحتاج إليها دون سياسات واقعية وسليمة علمياً، حول الطاقة المستهدفة، لذا فالمفاجآت نادرة والوقود الوحيد الآخر المتاح على نطاق واسع، والمعروف من الناحية العلمية، هو الوقود النووي، الذي يوفر طاقة وفيرة عند الطلب، ويلحق أقل ضرر بالطبيعة.

وحسب أحد الخبراء، فإن الوقود كي يكون مصدرا للطاقة، يجب أن "يُشحن" من قبل بمصدر أكثر قوة- سواء بآخر ما التقطته مصادر الطاقة الشمسية من أشعة الشمس، أو، في حالة الوقود الأحفوري، بملايين السنين من عملية التمثيل الضوئي. ويفسر نفس الفيزياء الذي يفسر سبب كثافة الطاقة في الوقود الأحفوري 1000 مرة مقارنة مع كثافته ما قبل الصناعة، أيضا، سبب كثافة الطاقة النووية خمسة ملايين مرة مقارنة مع الوقود الأحفوري.

وأشار إلى أن كيلوغراما واحدا من الوقود النووي الذي تنتجه هذه الظاهرة يكفي لتوفير كل الطاقة التي يحتاج اليها الشخص من أجل حياة كاملة- ولا يتطلب انبعاث 1800 طن من ثاني أكسيد الكربون، ولا إطلاق عشرة ملايين طن من المياه بواسطة السد.

وأضاف أنه بالنظر الى أن النفايات الناتجة عن هذه الكمية القليلة من الوقود النووي قليلة بنفس قدر كمية الوقود، فإنها على عكس الاعتقاد الشائع، لا تسبب أي حوادث.

تكنولوجيا نووية

وعموما فإن الناس تقبل استخدام التكنولوجيا النووية من أجل صحة الإنسان، ويجب أن يفعل الشيء نفسه من أجل صحة الكوكب، ومع ذلك، رغم أن المخاوف من الطاقة النووية ليس لها أي أساس علمي- بل إن الطاقة النووية أكثر أمانا من أي مصدر آخر للطاقة- فإنها تنتشر في السياسة العامة، حيث، في كثير من الأحيان، يتخيل صناع السياسة المخاطر من أجل الترفيه.