في سلسلتنا عن قراءة في الأزمات التي مرت على الكويت وكان لها تأثير في صياغة شخصيتها، وربما "عبقريتها المكانية"، اكتشفنا جملة اكتشافات، حيث نتوقف هنا وقد نعود إليها مستقبلاً. والملاحَظ أن الناس خلال الأزمات لا يرون إلا الجانب السياسي، فتتسلل الأزمات الأخرى كشعاع الشمس من بين الأصابع، بل في أغلب الأحيان لا نعتبرها أزمات.

خذ مثلاً التعليم، الذي كان ومازال، محطة للمعارك السياسية الاجتماعية منذ بداية التعليم النظامي، كتلك الحملة التي قادها الشيخ عبدالعزيز العلجي الأحسائي شعراً، متهماً المدرسة الأحمدية بالنصرانية، ودعوتها إلى "الإلحاد والزندقة والدياثة" لتدريسها اللغة الإنكليزية والجغرافيا والهندسة. حتى ما بعد الاستقلال وعبر المجلس كان ملحوظاً ارتفاع عدد وزراء التربية المستجوَبين أكثر من غيرهم، مروراً بقضية الاختلاط وغيرها. أغلب تلك المعارك لم تكن معنية بالارتقاء بالتعليم ذاته، بل بالشق السياسي أو الاجتماعي منه.

Ad

في سنة 1937، افتُتحت أول مدرسة نظامية للبنات، وانضمت إليها ٣٢ بنتاً، شُنت على أثرها حملة ضد تعليم البنات، من ضمنها قصيدة كان لها تأثير كبير على المجتمع، لأحد شعراء الكويت المبرزين، محمد فلاح الخرافي، جاء في بعض أبياتها:

في وقتنا ذا دوم شفهم يمرون طرق النفانيف والصدر به مدلعات

عقب الظهر للبر كل يوم يولون في زيهم ياحمود وباليد ساعات

بالعيد شفهم ياعسى مايعودون ملبوسهم شي يقولون بدلات

نشء جديد ياعسى مايكبرون وان اكبروا شفنا الهوايل والافات

ياحمود في سوق السمك دوم ياطون ذيل الرجل يالعنبوهم البنيات

شفت فعلهم وسط المعارف بيقرون الهندسة ولعب النصارى رياضات

فكانت قصيدة فهد بورسلي نموذجاً للحوار:

يابوجويسم ماتجملت بالعون مير ادحر الشيطان وابليس مامات

لاتتبع ناس على الغيب يرمون المحصنات الغافلات العفيفات

ماكل من شاف الحريم يمشون يضمر غياب خايبات وعفيفات

لوكان هم في ذمكم يستحجون ان كان زدناهم على الغاط غاطات

شفت البياض وشفت ناس يمرون وظنيت بعيون النقارير دانات

والا المعارف لو قروا مايضرون واللي بها عيب لوهي مخبات

الخاربة لوهي بقصر ومحصون تلقى لها في بعض الاوقات فرصات

والصالحة ماهمها كل مزيون عن الردى بعد الثرى للسماوات

وان كانك على ذم المساتير مفتون لاتجمعون الخاربة مع النجيبات

عرب تعلمهم وهم يستفيدون ماعلمهم للردى والخيانات

في ذمتي سوق السمك مايدشون سوق السمك مابه بناسل وجنطات

اثبت لنا ناس من اللي تعرفون بين العشر والخمس بالسوق دلعات

لاني عدو لك ولاني بملسون مير النصايح بين الاصحاب عادات

والعلم مابه عيب لاتستبدون يا ابوجويسم ماورا العلم هرجات

شوف النصارى كل يوم يترقون عقب الهفا صاروا على الناس سادات

سلك العرب قاموا عليه يتهزون خلوا الصناعة والفهم والدراسات

نشدوا رجال بالتواريخ يقرون العز من له والشرف والصناعات

لعلهم من سكرة النوم يوعون يحبون تذكار العصور القديمات

تراني حاضر وان بغيتوا تردون وان امتنعتوا ودنا بالمكافات

مجرد التفاتة سريعة إلى أزمة كانت قبل أكثر من٨٠ سنة، لندرك حجم التغيير، وأن الثابت الوحيد في "أغلب" المجتمعات هو التغيير، شئنا ذلك أم أبينا.