في مقال الأحد الماضي تحت عنوان «الحجرف يفتح بابا جديدا في الاستجواب» أشدت بفصاحته وقوة بيانه، أنه مالك ناصية الكلام قوي الحجة والبرهان في أسلوب أخاذ، وبعبارات رشيقة تتدلى من شجرة وارفة الثمرة والظلال، ففتح الباب على مصراعيه أمام الشعب الكويتي ومجلس الأمة الموقر على ما وراء الاستجواب من حقائق دستورية ناصعة تسر لها عقول الباحثين والفقهاء الدستوريين الذين حثهم على النهوض بتبعاتهم في بحث وإثراء المسائل الثلاث التي طرقها في هذا الباب، وهي أن الاستجواب إجراء استثنائي وفقا لمفهومه الدستوري، وأن الوزير لا يُسأل إلا عن فعله، وأن تقديم الاستجواب قبل استنفاد طرق الرقابة البرلمانية الأخرى يهدم التعاون بين السلطتين الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت، وهو ما حذرت منه المذكرة التفسيرية للدستور، وهي مسائل لم تكن تثار أصلا في أي استجواب سابق، على أساس مفهوم خاطئ للاستجواب، أدى إلى التلويح بالاستجواب فور تولي الوزير حقيبته الوزارية، وقبل أن يبدأ بممارسة مهام منصبه.

واستجابه لدعوته الباحثين الدستوريين في إثراء هذه المسائل رأيت أن أبدأ بمسألة رابعة طرحها أحد المستجوبين في تعقيبه على رد الوزير بأن 95% من الوقائع التي شملها الاستجواب، تمت قبل حمله الحقيبة الوزارية، وهي أن الوزير د. الحجرف تولى حقيبة وزارة المالية لبضعة شهور في عام 2012، فيسأل عن أعمال الوزارة في هذه الفترة، وهو ما يعتبر تسليما من المستجوبين بما طرحه الوزير من عدم مسؤوليته السياسية عن هذه الوقائع، إلا عن هذه الفترة التي تولى فيها الحقيبة الوزارية لبضعة شهور عام 2012، ولأن هذه الفترة تدخل في فصل تشريعي سابق، فلا يجوز أن تبقى إثارتها في التعقيب دون بحث.

Ad

نسوق في التدليل على ما نراه من عدم جواز مساءلة الوزير سياسيا عن أعماله في فصل تشريعي سابق ما يلي:

استقلال كل فصل تشريعي بالمسؤولية السياسية عنه

وهو المستفاد من نص المادة (57) من الدستور التي توجب تنحي الوزارة القائم عن الحكم عند بدء كل فصل تشريعي، وإعادة تشكيل الوزارة، وهو أمر توجبه الأصول البرلمانية، حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور.

وتضيف هذه المذكرة «وذلك على النحو الذي يرتئيه أمير البلاد...، ويتيح هذا النص للأمير فرصة دستورية طبيعية لتجديد ثقته بالوزارة والوزراء إذا ما أدوا رسالتهم في الوزارة على النحو المرضي».

ويتفرع على ذلك ويعتبر من لزومه أن المسؤولية السياسية للوزير عن أعماله في الفصل التشريعي السابق، تسقط بإعادة تجديد ثقة الأمير به، وحمله للحقيبة الوزارية ذاتها في بدء الفصل التشريعي الجديد، بتجديد ثقة الأمير به في هذا الفصل.

وهو ما عبرت عنه المذكرة التفسيرية للدستور بتقريرها أن «إتاحة الفرصة للأمير، على هذا النحو الدستوري البرلماني الطبيعي يكفي سموه مؤونة الالتجاء إلى الوسائل الدستورية العنيفة كاستعمال حقه في إقالة الوزارة أو إعفاء الوزراء من مناصبهم».

وفي تفسير نصوص الدستور والمذكرة التفسيرية له، وهي ملزمة شأن نصوص الدستور ذاتها، فإن لتقرير المذكرة سالفة الذكر دلالتين: الدلالة الأولى: تستفاد أصالة من النص، وهي سقوط المسؤولية السياسية للوزير التي قررتها المادة (58) من الدستور فيما نصت عليه من أن رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته».

والدلالة الثانية، وتستفاد تبعا للدلالة الأولى وهي سقوط المسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس الأمة، والتي تقررها المواد 100 و101 و102 من الدستور، لأن المسؤوليتين متلازمتان في كل فصل تشريعي، ولأن الدستور قد استعاض عن التصويت على الثقة بالوزراء عند تشكيل الحكومة بثقة الأمير.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.