قبل عشر سنوات بعيد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 14 يونيو عام 2009، نزل الملايين إلى شوارع طهران وهم ينادون "أين صوتي؟". هزت هذه التظاهرات التي صارت تُعرف بالحركة الخضراء الجمهورية الإسلامية، مسببة خضة لم تشهد لها هذه الجمهورية مثيلاً منذ تأسيسها في عام 1979.

وُلدت الجمهورية الإسلامية من القمع، إلا أنها لم تُخاطر بعد بالحكم من دونه، وقبل أن تبلغ هذه الدولة الثورية عقدها الأول، كانت قد أعدمت الآلاف بسبب نشاطاتهم ووجهات نظرهم السياسية. وأمضى مذاك الآلاف سنوات في السجن لأسباب سياسية، ولكن في الأعوام الأخيرة، صعّبت الإنترنت على الدولة إخفاء هذا المشروع القمعي أو تبريره.

Ad

عزز الناشطون هذا التفاعل الداخلي المتبدل باختيارهم باستمرار الأساليب السلمية لتشكّل إسراتيجيتهم الرئيسة في التعاطي مع هذا النظام القمعي، ولا شك أن خيارهم هذا حكيم لأن للجمهورية الإسلامية تاريخاً طويلاً من تشويه صورة المجموعات التي روجت للمقاومة العنيفة، سحقها، وتلطيخ سمعتها.

في عام 2013، عيّن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مقرراً خاصاً لمراقبة وضع حقوق الإنسان في إيران، مما عكس إدراكاً دولياً لمدى حدة انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد، ووثّق هذا المقرر انتهاكات مثل إعدام أحداث، واضطهاد الأقليات الدينية، ومضايقة الناشطين في مجال حقوق الإنسان وسجنهم، وهكذا عززت هذه التقارير الضغط العالمي على إيران بإشارتها إلى أن السلطات تقف وراء هذه الانتهاكات.

وفي اللحظات المفصلية، يلتقي التنديد الدولي مع الضغط الداخلي لإحداث تغيير حقيقي. على سبيل المثال، أدى العمل المستمر على قوانين عقوبة الإعدام في إيران من قبل ناشطين إيرانيين مثل نرجس محمدي (التي تنفذ راهناً عقوبة سجن لعشر سنوات بسبب جهودها هذه)، بالإضافة إلى الضغط الدولي، إلى تراجع كبير في عملية الإعدام الموثقة: من 977 في عام 2015 إلى 253 في عام 2018 وفق منظمة العفو الدولية.

من المؤكد أن إيران ليست محصنة ضد الضغط، وتعكس الحدة التي اضطهدت بها السلطات المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين سلطوا الأضواء داخلياً ودولياً على الانتهاكات، مدى خوفها من أن يُفتضح أمرها ومدى إلحاح رغبتها في التملص من المحاسبة. على سبيل المثال، تنفذ محامية الدفاع البارزة نسرين ستوده راهناً عقوبة سجن مدتها 12 سنة لدفاعها عن نساء خلعن الحجاب في العلن كشكل من أشكال العصيان المدني ولاحتجاجها على حرمان القضاء المعتقلين بتهم ذات دوافع سياسية من حقهم في اختيار مَن يدافع عنهم. على نحو مماثل، يمضي محمد النجفي عقوبة سجن لثلاث عشرة سنة لدفاعه عن السجناء وتنديده بالإساءات العنيفة وعمليات القتل داخل السجن، أما عبدالفتاح سلطاني، الذي حُكم عليه أساساً بالسجن 13 سنة لدفاعه عن سجناء سياسيين في المحكمة، فأُطلق سراحه في شهر نوفمبر الماضي بعدما أمضى أكثر من سبع سنوات وراء القضبان.

لكن المحامين والناشطين ليسوا الوحيدين المثابرين على الدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية في إيران. يواصل المواطنون العاديون في مختلف أنحاء البلد تنظيم مسيرات احتجاج سلمية ضد انتهاكات مثل أجور غير مدفوعة، حظر إنشاء اتحادات عمالية فاعلة ومستقلة، وسجن قادة عمال مستقلين.

في مطلع هذه السنة لفت الناشط المدافع عن حقوق العمال وممثل الاتحاد العمالي اسماعيل بخشي الانتباه الدولي إلى محافظة خوزستان (عربستان) في جنوب غرب إيران حيث يتظاهر عمال مصنع قصب السكر الزراعي-الصناعي في هفت تبه منذ سنوات لأنهم لم يتقاضوا أجورهم. وشاهد الملايين عبر الإنترنت الأشرطة المصورة التي ظهر فيها بخشي وهو يتحدث إلى العمال وينتقد محاولات قوى الأمن العدائية لسحق تظاهراتهم.

تُبرز حالة بخشي كلفة نشاطات مماثلة ومدى أهمية استمرار التظاهرات السلمية بلا هوادة في إيران، إذ أوقف بخشي واعتُقل طوال شهر تقريباً في مقر احتجاز وزارة الاستخبارات في أهواز. وعند إطلاق سراحه، كتب بخشي رسالة مفتوحة وصف فيها التعذيب الوحشي الذي تعرض له خلال فترة اعتقاله من الدولة، وأكدت ناشطة معتقلة أخرى، المراسلة المستقلة سبيده قليان، ادعاءاته هذه، ونتيجة رفعهما الصوت أُعيد اعتقالهما في شهر يناير عام 2019 وخضعَا للاستجواب طوال أشهر من دون السماح لمحاميهما بمقابلتهما، إلا أن محنتهما هذه لم تُسكت العمال، فخلال الأشهر الستة الماضية في مناطق مختلفة من إيران، نظم المدرسون، وعمال البازارات، وعمال السدود، وعمال وزارة الزراعة، وعمال سكك الحديد إضرابات ومسيرات احتجاج على أجورهم غير المدفوعة.

إذا كانت الحكومة الإيرانية تأمل أن تتمكن، برفعها كلفة نشاطات مماثلة وتقليلها فرص التغيير، من إقناع الإيرانيين بالعودة إلى منازلهم والكف عن المحاولة، فهي مخطئة على ما يبدو. لم تتعلم الدولة والقائد الأعلى في إيران بعد درس قمع الدولة العنيف عام 2009: لا ينجح حرمان الناس من العدالة والكرامة في إسكات حركات مماثلة بل يقويها.

أميد معماريان

*«فورين أفيرز»