في الوقت الذي أوصل فيه أبو سفيان قافلة قريش إلى مكة بسلام كانت طبول الحرب تقرع على مشارف المدينة المنورة، وفي هذه الأثناء سمع حزام بن حكيم بهذا الخبر، فذهب من فوره إلى عتبة بن ربيعة يحثه على ترك الحرب والرجوع بالجيش، وذلك لمعرفته بما يملكه هذا الرجل من رجاحة عقل وحلم ووجاهة عند قومه.

أصغى عتبة وأخذ بنصيحة حزام فقام مخاطباً قومه بالعدول عن فكرة حرب المسلمين قائلاً: "يا قوم إني أرى أقواماً مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة وتعلمون أني لست بأجبنكم".

Ad

لما سمع بذلك رأس الجهل وصاحب الجهل المركّب أبو جهل استنكر على عتبة قوله ذلك، فقال له "أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول ذلك لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعبا"، فقال عتبة "إياي تعني يا مصفر- مردفاً ذلك بكلمة يعف عن اللسان ذكرها- ستعلم اليوم أينا أجبن".

هذا الشحن الذي قام به أبو جهل قد أفقد عتبة حلمه ورشده، وكان سبباً في مصرعه ومصرع أخيه شيبة وابنه الوليد، واليوم التاريخ يعيد نفسه مع أمثال أبي جهل دعاة لحرب قد تأكل الأخضر واليابس معها، وقد تكون بداية لحرب عالمية ثالثة تدور رحاها على أرض الخليج لا رابح فيها إلا الصهاينة وتجار السلاح.

المتابع لسياسة أميركا في المنطقة يدرك أن ثورات الربيع العربي ما كانت لتكون لولا سياسة خلق الأزمات التي تقوم عليها الإدارات الأميركية المتعاقبة، والمتابع يدرك أيضاً أن نتائج الربيع لم تكن سوى شوك مغروس في جسد الإنسان العربي، والمتابع أيضاً لسياسة الإدارة الحالية يجد أنها تسير على الخطى نفسها، وتعول كثيراً على العصى والجزرة والتصعيد والوعيد والابتزاز.

البعض يتعمد خلط الأوراق من خلال طرح أسئلة، المغزى منها التشكيك في الولاء والوطنية، مثل مع من يجب أن نقف؟ ومن يشكل الخطر على محيطنا العربي؟ تاركاً الأسئلة الأهم: من المستفيد؟ وهل بمقدورنا انتقاء وتغيير جيراننا بعد انتهاء الحرب هذا إن انتهت؟

أين نحن من توجيهات ونصائح سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح في نشر السلام العالمي؟ وأين نحن من خطاباته التي تدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية؟ وأين نحن من المآسي التي مرت بمنطقتنا، بدءاً بحرب الخليج الأولى، وما خلفته من مئات الآلاف القتلى والملايين من المشردين، وخراب كلف مئات المليارات؟ وأين نحن أيضاً من الربيع العربي الذي دمر الوطن العربي بسبب الكذبة التي أطلق شرارتها الغرب وتلقفها الإعلام العربي وأنصاف الرجال من السياسيين والإعلاميين وأصحاب اللحى؟

أعود إلى التاريخ لأذكر ما فعله نصارى نجران عندما جاء وفدهم إلى المدينة المنورة للقاء النبي محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد حزموا أمرهم بالنكران على الرسول دينه، وبالرغم من ذلك ظل النبي يحاججهم إلى أن وصل معهم إلى طريق مسدود، فدعاهم إلى المباهلة "الملاعنة" لكن عندما رأوه يخرج إليهم بأهل بيته أيقنوا صدق نبوته وقبلوا بدفع الجزية.

هذه القصة علينا التأمل فيها وأخذ العبرة منها، فنصارى نجران رغم عدم إسلامهم لكنهم كانوا أكثر حكمة من عتبة بن ربيعة وصاحبه الطبال أبي جهل.

ودمتم سالمين.