ملك الوزير عليّ وعلى غيري إعجابا منقطع النظير بفصاحته وقوة بيانه، مالكاً ناصية الكلام القوي الحجة والبرهان في أسلوب أخاذ، وبعبارات رشيقة تتدلى من شجرة وارفة الثمر والظلال، ولا أحسبني في هذا قد أسرفت في مدحه.

فليس من ذنبي أن الدكتور الحجرف استقصى فأحسن الاستقصاء، وبحث ونقب في كل محاور الاستجواب، فأجاد في عرضه وأتقن في تفنيد استخلاص الاستجواب لاتهامات ليس لها أساس من الواقع أو سند من القانون.

Ad

وليس من ذنبي بعد هذا كله وبفضل هذا كله، أنه فتح في الاستجواب باباً وقف غيره من الوزراء- طوال السنوات الماضية- يدنون منه ثم يرتدون عنه، أو يطرقونه فلا يفتح لهم، ووُفق د. الحجرف في أن يفتح هذا الباب على مصراعيه، ويظهر للشعب الكويتي ومجلس الأمة الموقر على ما وراء الاستجواب من حقائق دستورية ناصعة، تبتهج لها عقول الباحثين والفقهاء الدستوريين الذين حثهم على النهوض بتبعاتهم في بحث وإثراء المسائل الثلاث التي طرقها في هذا الباب التي وقع الاستجواب في حومة مخالفتها للدستور وهي:

المسألة الأولى: أن الوزير لا يسأل إلا عن فعله.

المسألة الثانية: أن الاستجواب إجراء استثنائي وفقا لمفهومه الدستوري.

المسألة الثالثة: أن تقديم الاستجواب قبل استنفاد طرق الرقابة البرلمانية الأخرى يهدم التعاون بين السلطتين الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت.

فلم أكن أفهم سبباً واحداً قبل ذلك يجعل الحديث عن الدستور وأحكامه والضوابط الدستورية خارج الموضوع في كل استجواب خلال السنوات الماضية التي آليت فيها على نفسي أن أدرس وأحلل كل استجواب يوجه إلى الوزراء، باعتباره أرقى وسائل الرقابة البرلمانية ومن منظور دستوري لا أملك سوى أدواته مشاركا في الأعراس الديمقراطية، كما كانت وسائل إعلان تطلق على الاستجواب، في بلد أحببته، يخوض تجربة ديمقراطية رائعة، هي الأفضل في المنطقة كلها.

ويزداد الأمر غرابة عندي، عندما يكون الجميع، الحكومة ومجلس الأمة والوزير الذي وُجه إليه الاستجواب والنائب الذي قدمه، في اتفاق تام على صون الدستور براً بقسم أقسمه الوزير والنواب باحترام أحكامه.

والحقيقة أن المساءلة السياسية للوزراء، وفقا لنصوص الدستور، هي مساءلة دستورية وقانونية تدخل في دائرة الدستور والقانون، وتحكمها نصوصهما الآمرة، والتي لا يجوز تجاوزها بأي حال من الأحوال.

وهي كمحاكمة سياسية يجب أن تتوافر لها وفيها كل الضوابط والضمانات الدستورية والقانونية التي كفلها الدستور ولائحة المجلس الداخلية، بل المبادئ الدستورية أو القانونية العامة في المحاكمة المنصفة العادلة، حيث تكون هذه الضوابط والضمانات مسألة أولية يجب على مجلس الأمة حسمها والتحقق من توافرها في الاستجواب قبل مناقشته، شأنها في ذلك شأن أي محاكمة قضائية، تتحقق فيها المحكمة من اختصاصها بها، ومن شكل الدعوى، ومن علاقة أطرافها بها قبل مناقشة موضوعها.

إن موقف التسامح من تطبيق أحكام الدستور والضوابط الدستورية في الاستجواب، لا يتفق بل يتناقض والالتزام بأحكام الدستور، لأن هذا الالتزام ليس أمراً متروكاً لتقدير الوزير أو الحكومة أو تقدير مجلس الأمة، بل أمر متعلق بالنظام العام الدستوري الذي لم يترك لأحد خيارا في الالتزام بأوامره ونواهيه، فضلا عن أن ذلك قد خلق بالممارسة البرلمانية نظاما مختلفا عن النظام الذي تبناه دستور الكويت وجعله حجر الزاوية في كفالة استقرار الحكم.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.