• افتقدك جمهور الشاشة الصغيرة 8 سنوات، في حين ركّزت نشاطك في السينما، ما سبب الغياب؟

Ad

- لم تُعرض عليّ في تلك الفترة أدوار مشجعة للمشاركة في الدراما التلفزيونية، حتى قرأت نص "إنتي مين؟"، فاستفزتني شخصية "عايدة"، تلك المقاتلة السابقة، - فعدت الى الدراما التلفزيونية - وهي ذات ماضٍ صعب جدًا وغامض ينكشف تدريجًيا وأحببت تفاصيل حياتها، فهي التي عاشت مبادئ وأهدافا معيّنة أصابتها خيبة كبيرة بعد انتهاء الحرب، فعانت مرارة الواقع بعدما أصبحت مهمّشة في المجتمع، أسوة بمقاتلين سابقين مثلها، انتموا إلى أحزاب وشاركوا في الحرب، وثمة شخصيات كثيرة لافتة في هذا العمل، ومكتوبة بشكل جميل وذكي ومرسومة بدقّة، كشخصية نقولا دانيال وأنجو ريحان.

• في تلك الفترة، قدّمت أعمالا سينمائية في التراجيديا والكوميديا، فهل عوّضت من خلالهاغيابك عن التلفزيون؟

- ليس بالضرورة أن يكون الجمهور السينمائي والتلفزيوني مشتركًا، قد يكون لكل منهما جمهوره الخاص، بل للتلفزيون جمهور أوسع إن المشاركة السينمائية في تلك الفترة ملأت فراغي بما يناسب ساعات تعليمي الجامعي في معهد الفنون.

• لكن شخصياتك السينمائية مختلفة جدًا عن الدرامية ما يضمن تنوّعًا إضافيًا؟

- الأساس هو في كيفية تقديم دور المرأة، سواء في السينما أو الدراما ومنذ 21 عامًا أؤدي دور الأم مثلا، إنما ما يهمنّي فعلا هو معرفة قصتها، ودورها في المجتمع، ورسالتها ومدى تمايزها عن سائر الأدوار، وعندما تتوافر القصة الجيّدة عندها أتحمّس، لأن كتابة الشخصية الدرامية والسينمائية والمسرحية مهمّة، يجب أن أحبّها لأتبناها كشخصية "عايدة" التي لم يُكتب مثلها سابقًا، لديها قصتها الخاصة في المسلسل، وأسرارها، كعلاقتها بـ "أسعد رشدان ونقولا دانيال" من جهة وعلاقتها بالبطلين "عمار شلق وكارين رزق الله" من جهة أخرى ومدى ارتباط هذه العلاقات بطبيعة حياتها كمقاتلة.

• أثارت هذه الشخصية الدهشة لدى المشاهدين، ما رأيك؟

- نندهش نحن أيضًا من ردود فعل الجمهور غير المتوقعة تجاه شخصيات أو أعمال، على كل كُتبت الشخصية بعمق، فشكّلت مادة دسمة رسمت بفضلها الشكل الخارجي لـ "عايدة"، وعندما يتسلم الممثل نصًّا عميقًا مكتوبًا بطريقة ذكية، يستطيع تركيب الشخصية لتصل إلى الناس، ومواضيع هذا المسلسل حقيقية تشبه مجتمعنا، وكذلك الحوار بين الشخصيات.

• صحيح أن "عايدة" محاربة ملقبّة باللبوة، لكننا لاحظنا جانبًا ضعيفًا في شخصيتها أيضًا؟

- إنها شخصية ملوّنة، قناعها سببه الظروف التي مرّت بها وجعلتها قاسية، إنما هذا لا ينفي ضعفها ووجعها وخيباتها، فإن لم تتوافر هذه التناقضات لدى أي شخصية لا تكتمل، لأنها تجعلها حقيقية، لأن أي إنسان مهما عظم جبروته، لا بد أن تكون لديه نقاط ضعف.

• هل استخدمت أدوات المسرح لبناء هذه الشخصية في شكلها وتصرفاتها وانفعالاتها؟

- صحيح أن مخزوني المسرحي الغني يفسح المجال أمامي لتنشيط خيالي ورؤية الشخصية بتفاصيلها والعمل على إظهارها، إنما خبرتي ووفرة أعمالي في السينما والتلفزيون أيضا جعلتني قادرة على الفصل بين المواقع الثلاثة التي أطوّع ذاتي فيها من أجل بناء أي شخصية والتأقلم معها.

• كيف تستعدين إذًا لأداء شخصية مركّبة وصعبة؟

- أتناقش أولا مع الكاتب والمخرج حول رؤيتي الخاصة للشخصية، خصوصًا لناحية الشكل الخارجي الذي تُبنى عليه تفاصيلها، بدءا من طريقة المشي والتحدث، وصولا إلى طريقة الانفعال والتصرّف، فعندما يمسك الممثل الخيوط يتشبّث بها ويطوّرها.

• أي دور يؤديه المخرج في مراقبة الأداء للحد من المبالغة فيه؟

- أؤمن بدور فريق العمل، فأتفاعل مع الممثل شريكي، وأصغي لرأي المخرج، وهذا أمر أساس، فإن المخرج هو المشاهد الأول الذي يراقب العمل كله، وقد أُعجبت بأسلوب المخرج إيلي حبيب الذي يحرص على التفاصيل الصغيرة، فيراقب بدقّة ويلفت نظرنا إذا لاحظ تفصيلا مهمّا من أجل المحافظة عليه.

• يضمّ المسلسل نخبة من نجوم المسرح، ما انعكاس ذلك على مستوى العمل؟

- لقد حرص المخرج والكاتبة على وضع الممثل المناسب في الدور المناسب من منطق فنّي بحت، وأشكرهما على هذا الخيار، لأن توافر هؤلاء الممثلين المسرحيين شجّعني أكثر على المشاركة في المسلسل.

• إلام تعزين حضور الممثلين المسرحيين القديرين بقوّة هذا العام في المسلسلات كافّة؟

- برأيي أدّت المنافسة بين المسلسلات الرمضانية دورها في استحضار الأسماء اللامعة في الدراما والمسرح هذا العام، إذ يُفتّش المنتج عن الممثلين النجوم أصحاب الخبرة والاختصاص، بدلا من الاتكال على الجميلات فحسب، إنه أمر صحي ومفيد جدًا لرفع مستوى الدراما اللبنانية.

• ألا تحبذين دخول ممثلين غير أكاديميين إلى الدراما؟

- هناك ممثلون غير أكاديميين، مع حضورهم وأثبتوا أنفسهم، فشكّلوا إضافة للمهنة، فلا بدّ من استمراريتهم على الشاشة، لكنني لا أحبّذ مشاركة أشخاص ضائعين في مسيرتهم فيجرّبون حظهم في التمثيل.

• تركيبة المسلسل متأرجحة بين الفكاهة والتراجيديا في آن، ما ميزة هكذا نص؟

- إنه نصّ يشبه الحياة، فكم مرّة نكون في موقف محزن، ويحدث أمر خارج عن الإرادة فنضحك مثلا أو العكس، واستخدمت كارين هذه المواقف الذكية دائمًا في نصوصها، أي ميزة الواقع الملوّن بين الفرح والحزن لصياغة نصوصها الدرامية، فلا نجد مواقف ثابتة غير متحرّكة، بل على العكس هناك لحظة الدهشة، مما يلفت نظر الجمهور إلى أعمالها.

• تشكلين مع عايدة صبرا ثنائية لافتة، فأي علاقة تربطكما؛ سواء على الخشبة أو على الشاشة؟

- لقد تعاونّا سابقًا في عملين مسرحيين، لذا يحب الجمهور أن نتعاون معًا، ما يميّز الممثلين المسرحيين أمثال صبرا ودانيال، الاستماع إلى الآخر ووضع النفس في استعداد للآخر، وأحب التفاعل مع شريكي في التمثيل والعكس، فعايدة صبرا وأنا نفهم على بعضنا البعض، فنتفاعل معًا، مما ينعكس إيجابًا على نوعية الأداء.

• بعد سنين الخبرة ووفرة الأعمال، هل لا تزال هناك أدوار تثير دهشتك؟

- إن لم أندهش لدور وأحبّه لا يمكن أن أؤديه، خصوصًا أنني أتبنى الفكرة وقصة الشخصية، ونعيش يوميًا اكتشافات فنيّة منوّعة كقراءة كتاب، أو استماع إلى موسيقى، فإذا لم نغذّ أنفسنا تصبح الحياة مملّة، لذا نحن في عملية اكتشاف وتعلّم دائمين.

• هل أصبحت الدراما اللبنانية منافسة؟

- يجب أن تمتدّ المنافسة برأيي على مدار السنة، فلا تقتصر على شهر رمضان فقط، وعندما تتحقق المنافسة يصبح هناك بحث دائم عن جودة إنتاج.

• في أي موقع فنيّ حققنا نهضة برأيك؟

- صحيح أن الحرب انتهت، إنما الأزمات لم تنته بعد، لذا نحمد الله على قدرتنا على الاستمرار وتقديم أعمال فنية بارزة في السينما والمسرح والتلفزيون، تفرض نفسها وتنتشر في الخارج، خصوصًا في دول الاغتراب، فثمة لبنانيون مغتربون يتواصلون معنا للتعبير عن محبتهم، ويحصد مسلسل "إنتي مين" جماهيرية واسعة في الخارج.

• كأستاذة جامعية في معهد الفنون، أي رسالة توجهينها لطلابك؟

- يتشجع هؤلاء الطلاب بفضل أساتذتهم الناشطين في المهنة، فيستنتجون منهم أمورًا كثيرة، ونعمل على تعزيز فكرة التمايز لديهم أسوة بكبار الفنانين الذين عملوا على تطوير ذاتهم من دون التفريط بطاقتهم الداخلية التي يجب إخراجها إلى العلن، وفضلا عن تعزيز إحساسهم بأهمية دور فريق العمل والانضباط.