بعد أكثر من 800 سنة، استقر فيها المسلمون في الأندلس، طُردوا منها، مع الأسف، شرّ طردة، بسبب تآمر أمراء وملوك الطوائف من المسلمين على بعضهم، بل إنهم كانوا ينسقّون مع أعدائهم ضد إخوانهم في الدين والعقيدة.

وليس هذا ما يعنيني في هذا المقال، فقد أسهب التاريخ بالمخازي والتخاذل والكوارث التي أدت إلى ضياع الأندلس، لكنني سأصف القليل القليل مما عاناه الإنسان المسلم في الأندلس من جراء محاكم التفتيش، وكيف تم استنباط وسائل تعذيب إجرامية جديدة تحمّلها وتجرّعها الإنسان المسلم بسبب عبثية وعدم إحساس ملوك الطوائف الذين تولوا زمام الأندلس ثمانية قرون.

Ad

***

• فهناك طريقة تعذيب أطلقوا عليها "توركيماد"، وهي فكرة شيطانية جهنمية مبتكرة؛ عبارة عن حمام رصاص انصهر في إناء كبير يغلي حتى يذوب فيه الرصاص، ويُدلّى فيه المسلم المعذب وهو مقيّد إلى السقف بسلاسل من الصلب، فتذوب قدماه حتى العظام، ثم يصل الرصاص إلى الساقين وينزلونه بالسلاسل حتى الركبة، وأمام صراخه وبكائه وعويله، يُرفع قليلاً من الرصاص الفائر، لكي يستمع إليه قاضي محاكم التفتيش وهو يُدلي إليه باعترافاته، فيسأله وسط هذه الصرخات والتشنجات التي تصل إلى حد الاحتضار:

- هل أنت تصلي صلاة المسلمين؟

وبكل ما يمتلك من قوة وشدة ألم يقول له:

-نعم... وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

فيصرخ الكاهن:

-إذاً هو يعترف.

فيصدر الحكم بحل وثاقه من الحديد المعلّق بالسقف، ليسقط في حوض الرصاص الفوار.

في إسبانيا، عقب طرد المسلمين وخروجهم منها، دبّ الرعب في نفوس المسلمين الذين بقوا في موطنهم، لكنّ محاكم التفتيش كانت لهم بالمرصاد يتصيدون ويترصدون كل صغيرة وكبيرة تصدر عنهم، فباباوات الكنائس في المدن المختلفة بإسبانيا كانت لهم اجتهادات جديدة في إرهاب المسلمين، حيث ابتكروا أسلوباً يختلف عن أسلوب إحراق المسلمين بالرصاص الفائر، فطريقتهم الجديدة للتعذيب هي رفع المسلم العاري عالياً بالحبال، ثم يتركونه يسقط على مسامير ملتهبة كجمر الفحم المشتعل.

واستخدموا أسلوباً آخر جديداً، حيث يعتصرون صدر المسلم بقمصان حديدية ملتهبة بواسطة عجلات كالطاحونة، ثم تُفتح بآلة خاصة لصب محتويات عشرين إناء كبيراً من الماء إلى جوف المسلم المعذب، من خلال فمه المفتوح آلياً بالحديد.

وأخطر من كل ما ورد أنهم في محاكم التفتيش صاروا يربطون أطراف المسلمين لأربعة جياد شرسة، ثم يطلقونها بعد أن يضربونها بعنف، فتتجه الخيول فزعة لتنتزع الأذرع والسيقان من جسد المسلم ممزقة.

والله هناك أساليب تعذيب أخرى استخدمتها محاكم التفتيش مع المسلمين في الأندلس لا أستطيع أن أكتبها لكم.

***

• لكنني أريد أن أقف قليلاً أمام الحكام المسلمين في الأندلس... فمع الأسف الشديد، أن كل هذه الأحداث لم تكن لتحدث لولا الإسراف في الانحرافات، ولولا إشاعة الفسق والفساد اللذين سادا في أوساط ملوك الطوائف، وأمراء المؤمنين المسلمين حتى بلغ بهم الفساد أشدّه.

• ولكي أعطيكم مثلاً عن الفساد الذي كان شائعاً في أوساطهم، إليكم ما كانت تقوله الشاعرة الأميرة ابنة الوزير، حبيبة ابن زيدون، ولادة بنت المستكفي:

أنا والله أصلحُ للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها

أمكّن عاشقي من صحن خدي

وأعطي قُبلتي من يشتهيها

إذا كانت هذه من علية القوم وتقول هذا الكلام، فما بالك بسقاطة القوم؟ فلم تسقط الأندلس عبثاً لولا هذا الاستهتار.