في زمن النهضة الكويتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان الفن الكويتي أول نذر التفوق الذي ستصنعه الكويت في كل المجالات الثقافية والرياضية والاقتصادية، كان المسرح الكويتي الذي صنعه النشاط المدرسي في الأربعينيات وصقله المصري زكي طليمات لاحقاً، ووضعه في إطار أكاديمي أسس من خلاله أول معهد عال للفنون المسرحية في المنطقة، كانت أصداء ذلك المسرح تصل إلى أقصى المغرب العربي، وبعد ذلك انتشرت الدراما الكويتية في تلفزيونات المنطقة وحتى تونس.

قبل أيام تفاخر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بكون المسلسلات التركية تشاهد في 156 دولة، ويتابعها أكثر من 500 مليون مشاهد، وهي تصنع قوة ناعمة تركية ضاربة تدعم السياحة والمنتج الوطني هناك، رغم أن محتوى الدراما التركية غالباً لا يتوافق مع توجهات إردوغان المحافظة الإسلامية، فيما بعض ربعنا بالكويت منذ بداية شهر رمضان يبدأون على وسائل التواصل الاجتماعي بعبارة مبتذلة "المسلسلات الكويتية لا تمثلنا"، وكأن أحداً طلب منهم أن يتكلموا باسم الشعب الكويتي.

Ad

بالطبع معظم أحداث الجرائم وقصص الانحراف في المحاكم وسجن الكويت المركزي ودور الرعاية الاجتماعية والفاسدين الذين سرقوا الكويت وهربوا إلى لندن وبقية أصقاع العالم لا يمثلون الشعب الكويتي، ولكننا لسنا شعب الله المختار أو مجتمع الملائكة الذي تنتفي فيه الخطيئة! كما أن الإبداع الفني حتى يكتمل يجب أن يتجاوز دقة التواريخ وأحياناً فنتازيات تتجاوز المنطق والواقع، مع التأكيد على أن هناك خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها خاصة في العلاقات العائلية.

النقد القاسي الذي تتعرض له الدراما الكويتية وأحياناً روح العنصرية بالبحث عن أصول الممثلين والمؤلفين للدراما الكويتية هو أحد أنواع تدمير الذات، وروح العنصرية التي بثها بعض السياسيين ونجوم السوشيال ميديا، رغم أن الإبداع والفن لا جنسية له، فنجوم هوليوود يمثلون طيفاً من الجنسيات بداية من الهند ومروراً بالنمسا وحتى أقصى أميركا اللاتينية، والإبداع الفني المصري شارك فيه عرب من العراق وسورية وحتى من إيطاليا واليونان.

لا شك في أن الدراما الكويتية تعاني من سلبيات أهمها الرقابة التي تمنع تناول قضايا أكثر جدية تهم المجتمع وتلامس قضاياه السياسية والاقتصادية، وكذلك ضعف النصوص وندرة الكُتاب، ولكن مازالت هي ضلع من أضلع مثلث الدراما العربية بجانب الدراما المصرية وكذلك السورية، وتحتاج إلى دعم ونقد فني متخصص لتقويمها، أما ما تتعرض له من هجوم، خاصة من فئة من المجتمع المتزمت وبعض المنتمين الجدد للهوية الكويتية، فإنه يعرض أحد أهم مظاهر المكون الكويتي للهدم، ويفقدنا أداة مهمة للتسويق للكويت الجديدة المنفتحة والمتنوعة في رؤية 2035.