في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تتقدم وتنشر الاستعمار باتجاه الشرق كان العرب متخلفين، وقد كانت معركة الحداثة الأوروبية تدخل عن طريق الاستعمار، حينها كان بعض قادة الفكر العربي والإسلامي يبحثون عن مخرج لأزمتهم بفكرة التوفيق بين أوروبا المتقدمة والإسلام، أو بين الأصالة والمعاصرة، ولما فشلت فكرة التوفيق فشل التأثير الأوروبي، وفشل قادة ذلك الفكر، والبديل كان الاستعمار والتخلف لدى العرب في آخر القرن التاسع عشر، وفي النصف الأول من القرن العشرين.

أما محاولات الحداثة العربية منذ بداية القرن العشرين فقد فشلت على الرغم من جهود بعض قادتها فكرياً، ولأنها معنية بتطوير الفكر، والتحديث معني بتطوير الواقع مادياً، وإن الأمة العربية قد دخلت مرحلة المخاض الإثني الطائفي والعنصري، ففشلت الحداثة العربية على الرغم من جهود المؤمنين بها والقائمين عليها، وكان لجهودهم نجاح محدود في بعض الأقطار، وحتى لو فهمنا أن قضية النجاح والفشل قضية نسبية من قطر لآخر فإن الصورة العامة لم تكن حداثية، ولا بد هنا من تحديد الأسباب وراء ذلك الفشل، وقد يرى فيه آخرون نجاحاً:

Ad

أولاً: فشل النظام العربي الحاكم، وفشلت القوى السياسية في إرساء قواعد الحداثة التي تجمع بين الاستقلال والاستفادة من حداثة أوروبا.

ثانياً: فشل التعليم في العالم العربي في إنتاج معرفة علمية متقدمة وثقافة نوعية تجديدية لا تقليدية، فكان تلقينياً ولا يزال.

ثالثاً: فشل الثقافة العربية في التطور إلى منهج نقدي للتراث، والخروج من عباءته إلى الاستفادة من إيجابياته فقط.

رابعاً: لقد تقدمت اليابان لاهتمامها بالتعليم أولاً، وتقدمت أميركا لاهتمامها بالعلم، وتقدمت أوروبا لاهتمامها بالحداثة، أما العرب فلم يكن لهم همّ غير الصراع الإثني والحروب الأهلية العربية الداخلية.

خامساً: لقد اعتقد كثير من العرب أن التحديث لبعض مناحي الحياة حداثة دون أن يعلموا أن الحداثة والتحديث لا يشبه أحدهما الآخر، ونحن نبحث اليوم عن الحداثة الفكرية حتى نحقق التحديث لا العكس، ويبدو أن الأمر ملتبسٌ حتى لدى أكثر المثقفين العرب، فلا يعرف الفرق بينهما إلا المثقفون النوعيون، وهم قلة لا يستطيعون التأثير في أوضاع بلدانهم.