أفاد التقرير الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات أن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر خلص في مكالمة هاتفية في 13 أبريل 2019 مع الرئيس الحالي دونالد ترامب، إلى ما معناه: «أن الصين لم تدخل حرباً واحدة ولم تصرف بنساً واحداً على الحروب منذ عام 1979، بينما أميركا لم تحظ سوى بـ 16 سنة من السلام طوال تاريخها، لذلك تتقدم بكين حالياً على واشنطن في كل الحقول».

ووفق التقرير، فما عناه الرئيس كارتر مفاده بأن كل موارد الصين مخصصة لعملية البناء، بينما نفقات الدفاع الأميركية بلغت 3 تريليونات دولار اقتطعت من نصيب الاستثمار في بنائها.

Ad

في التفاصيل، فإن الحروب، دمار للبشر ومحرقة موارد، وحتى قبل أزمة إيران وأميركا الأخيرة، وبسبب حرق الموارد في نزاعات مسلحة وحروب تجارية واقتصادية، بات نمو اقتصاد إقليمنا الأدنى على مستوى العالم، وآخر ما يحتاجه الإقليم هو حرب طاحنة جديدة.

في التاريخ المعاصر، كانت أوروبا ساحة رئيسية لحربين كونيتين خلال النصف الأول من القرن الفائت، أحرقت بشرها ومواردها وفقدت بعدهما زعامة العالم، واحتاجت إلى مشروع إعادة بناء «مشروع مارشال» لتعويض دمار حروبها، ومهاجروها خلال تلك الحقبة وصلوا إلى شواطئ دول عربية آمنة، وبعد نصف قرن من انتقال العنف إلى إقليمنا، بات إقليمنا أكبر مساهمي العالم في هجرة ناسه، بينما أوروبا طورت تعاونها لتصبح ما بين مشروع اتحاد دولها ومشروع وحدة عملتها.

الفارق في كل تلك التجارب هو خيار بشري، النزوع إلى العنف أو التحلي بالشجاعة والحكمة لحل الخلافات بالتفاوض والتعاون في ربط مصالح الشعوب بعضها ببعض، هو قرار، قرار العنف مدمر، وقرار ربط المصالح بين الشعوب آلية تجعل قرار العنف شبه مستحيل.

المثال الأوروبي قاطع، فالمهزوم في الحروب -ألمانيا- أصبح الزعيم في زمن السلم عندما وجهت كل موارده إلى البناء، وحققت ألمانيا قيادتها لأوروبا بقوتها الاقتصادية بعد أن فشلت في تحقيقها بقوتها العسكرية، وحال اليابان مماثل.

وتكفي مقارنة صورة فوتوغرافية قديمة لمدينة البصرة أو دمشق أو طرابلس أو صنعاء في ستينيات القرن الفائت بوضعها الآن، وتلك رسالة واضحة لثمن غياب الحكمة، وإن قامت حرب بسبب الأزمة الإيرانية الأميركية الأخيرة، فسوف تتكرر تلك النماذج في إقليم الخليج.

وفي فقرة من تقريرنا الحالي، تحقق اقتصادات إقليم الخليج هبوطاً متصلاً في معدلات نموها رغم تماسك أسعار النفط حول الـ 70 دولاراً أميركياً للبرميل، أي أن السبب في ضعف نموها ليس شحة الموارد المالية، وإنما إنحراف تخصيصها لتمويل تكلفة النزاعات بدلاً من البناء. والحرب الحقيقية المستحقة هي في تخصيص الموارد لتمويل مشروعات تنموية لخلق فرص عمل مستدامة لمواجهة أزمة البطالة السافرة القادمة لا محالة، ولعل هدفنا المشترك قبل الانزلاق للمحذور، هو التوحد لهزيمة كل داعية للعنف.

معدلات النمو الضعيفة لمعظم دول الخليج ليست مضمونة

تكاليف الأزمة الأميركية الإيرانية تحسم من حصيلة الموارد المالية

ذكر «الشال» أن «صندوق النقد الدولي» خفض في تقريره لشهر أبريل 2019، توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لجميع دول مجلس التعاون الخليجي الست لعام 2019.

ووفق تقرير الصندوق فإن أعلى معدلات النمو المتوقعة كانت للإمارات العربية المتحدة، وأن ينمو اقتصادها بنحو 3.7 في المئة عام 2019 كما في تقرير شهر أكتوبر 2018.

بينما عُدلت أرقام تقرير شهر أبريل 2019 إلى 2.8 في المئة، لكن صندوق النقد رفعها لعام 2020 إلى نحو 3.3 في المئة.

وثاني أعلى معدلات النمو المتوقعة لدولة قطر، التي خفض الصندوق تقديراته لنموها من نحو 2.8 في المئة بأكتوبر 2018، إلى نحو 2.6 في المئة في أبريل 2019، ترتفع إلى 3.2 في المئة خلال عـام 2020.

وجاءت الكويت ثالثة بخفض كبير لتقديرات نموها من 4.1 في المئة في أكتوبر 2018 إلى 2.5 في المئة في أبريل 2019، وترتفع تلك التقديرات إلى 2.9 في المئة عام 2020.

وتأتي البحرين رابعة بخفض في تقديرات النمو من 2.6 في المئة في أكتوبر 2018 إلى 1.8 في المئة في أبريل 2019، ثم ترتفع إلى 2.1 في المئة عام 2020.

وفي الترتيب الخامس تأتي السعودية أكبر اقتصادات الإقليم ليخفض «صندوق النقد الدولي» تقديراته لها من 2.4 في المئة في أكتوبر 2018، إلى 1.8 في المئة في أبريل 2019، ثم ترتفع إلى 2.1 في المئة في عام 2020.

أما عُمان فخفضت تقديرات نموها من 5 في المئة في أكتوبر 2018 إلى 1.1 في المئة في أبريل 2019، أي شملها التخفيض الأعلى.

وذكر «الشال» أن ضعف توقعات معدلات النمو لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي، تستمر، مقارنة بمعدلاتها التاريخية، وتظل دون المستوى القادر على خلق ما يكفي من فرص عمل، والبطالة هي التحدي الحقيقي القادم لها جميعاً. وحتى معدلات النمو الضعيفة، ليست مضمونة، فعام 2018 وما مضى من عام 2019 حافل بالخلافات السياسية والتجارية، والأخيرة أثرت سلباً في تقديرات «صندوق النقد الدولي» الخاصة بنمو الاقتصاد العالمي.

كما أن للإقليم مفاجآته أيضاً، فأحداث العنف الجيوسياسية، تمتد بما قد يهدد كل ما تبقى من دول الإقليم والتي ظلت نسبياً بمنأى عن العنف المباشر، ذلك ما قد يصبح حصيلة الأزمة الأميركية الإيرانية الأخيرة، مؤثرة سلباً بزيادة تكاليفها، وتكاليفها المحتملة الباهظة تحسم من حصيلة الموارد المالية التي يفترض أن توجه لدعم معدلات النمو.

الخلاصة هي، أن الشحة المؤقتة في جانب المعروض من النفط قد تدعم مؤقتاً معدلات النمو، ولكن، وللأسف، لا تكاد توحي ببعض الأمل حتى تنفجر أزمة تأتي على جديدها وقديمها.