من يستمع إلى تصريحات الحكومة عن التنمية الموعودة التي تعمل على إيجادها، وخطتها، ورؤيتها، واستراتيجيتها، وعملها الجاد لتحقيق «رؤية الكويت 2035»، يشعر بالاطمئنان إلى مستقبل الكويت الغالية، لكنه سرعان ما يصاب بحسرة واشمئزاز من تلك التصريحات حين يرى الفوضى تضرب بأطنابها في مرفق حيوي كمرفق البريد، بسبب غياب عمال التوزيع للأسبوع الثالث على التوالي، لعدم تسلمهم رواتبهم من شركتهم منذ ثلاثة أشهر مع اكتفاء وزارة المواصلات بموقف المتفرج.

إذا كانت الحكومة تقف عاجزة عن حل مشكلة ساذجة كهذه، فبأي منطق تريد من مواطنيها أن يصدقوا وعودها بأنها تعمل على إحداث نقلة نوعية في نهضة البلاد، لتنافس شقيقاتها من دول مجلس التعاون الخليجي التي سبقتها بأشواط بعيدة، في حين لا نكتفي نحن بالوقوف، بل نتراجع إلى الخلف، حتى بتنا نغرق كالنمل في شبر ماء.

Ad

جولة قامت بها «الجريدة» أمس على عدد من أفرع البريد كانت كافية بأن تفتح سيلاً لا ينتهي من التساؤلات المرة: كيف تقبل الوزارة مثل هذا العبث بمرفق مهم معطلة مصالح العباد وطرودهم ومراسلاتهم؟ كيف تسكت عن هضم حقوق عمال بسطاء دون أن تتدخل لمحاسبة شركتهم؟ أين الشروط الجزائية، أين التحقيقات؟ أين الحلول البديلة؟ لتنتهي بها كل تلك التساؤلات إلى سؤال مقتضاه: أين الإدارة الحكومية الصارمة التي تتدخل بالوقت المناسب دون أن يشعر المواطنون بارتباك أو تعطل مصالح؟

هذا المشهد المقطعي لقطاع البريد من فوضى، وتكدس الطرود، وغياب كامل لعمال التوزيع في معظم الأفرع، وعدم تدخل الوزارة... يعد أكبر زاجر لأي مستثمر يفكر في دخول السوق الكويتي عن الإقدام على تلك الخطوة، وكأننا نقول له بالفم الملآن: إن ما نقوله عن التطوير والنهضة والمركز المالي مجرد شعارات... فلا تصدق كل ما تسمع.