في خطوة مخالفة لأحكام القانون والدستور طلبت وزارة العدل من جميع مديري الإدارات التابعين للوزارة الاستعلام إلكترونياً عن الموظفين التابعين لكل إدارة، والتأكد من عدم وجود أحكام جنائية صادرة بحقهم مخلة بالشرف والأمانة تمهيداً لإنهاء أعمالهم، فضلاً عن مطالبة المديرين بالتحري عن الموظفين التابعين لهم، والذين تدور حولهم الشبهات والريبة لتسند الوزارة لمديريها بذلك وظيفة البحث والتحري عن الموظفين التابعين لها بدلاً من ضباط المباحث والتأكد من سلامة سلوكياتهم خارج أوقات العمل الرسمي!

وعلى الرغم من حرص الدستور على الحياة الخاصة وحظر الكشف عنها إلا بناء على أحكام القانون، والتي أجازت استثناء وبعد صدور قرار من جهات التحقيق القضائية ممثلة في الإدارة العامة للتحقيقات أو النيابة العامة أو من المحاكم القضائية ورغم حظر قانون المعاملات الإلكترونية الكشف عن المعلومات الخاصة للأفراد فإن وزارة العدل ضربت عرض الحائط بأحكام الدستور والقانون، وأجازت لمديريها الكشف عن الحياة الخاصة للموظفين، والاطلاع على قضاياهم المتداولة في المحاكم، والتأكد من صدور أحكام فيهان رغم تجريم ذلك الاستعلام وفق قانون المعاملات الإلكترونية!

Ad

الضبط القضائي

بل سمحت الوزارة لمديريها التحري والبحث عن الموظفين المشتبه فيهم وتدور حولهم الشبهات والريبة رغم عدم تمتعهم بسلطات الضبط القضائي التي منحها القانون للمرخصين بها، وذلك على سبيل الحصر وبعد أن يتحصلوا على إذن من الجهات القضائية لإتمام الرقابة الأمنية لأنها تسمح لمأموري الضبط القضائي تتبع المشتبه فيهم وإتمام البحث والتحري، وربما الاستعانة ببعض المصادر للتأكد من تورط المشتبه فيهم بالأفعال المتحرى عنها!

وبدلاً من أن تبلغ الوزارة الأجهزة الأمنية عن الموظفين المشتبه في تورطهم بجرائم تتصل بالوظيفة العامة كالرشوة واستغلال النفوذ أو التزوير أو غيرها من الجرائم المتصلة بالوظيفة العامة لأن رجال البحث والتحري التابعين لوزارة الداخلية هم المختصون بذلك عبر ورود معلومات لديهم عن وقائع مشتبه فيها، تكلف وزارة العدل موظفيها بدرجة المديرين إتمام إجراءات البحث والتحري بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون لمجرد أنهم اشتبهوا وشكوا ببعض الموظفين!

الإنهاء الوظيفي

قرار وزارة العدل الذي أصدرته بمطالبة مديري الوزارة الاستعلام القضائي الدوري لكل الموظفين التابعين لهم بصفة دورية والعرض على الوزارة بما ينتج عنه هذا الاستعلام جاء بناء على مذكرة أعدتها إدارة الشؤون القانونية بوزارة العدل مطالبة بثلاث قضايا الأولى أن يكون الموظف حريصاً على اعتباره الوظيفي ولو كان خارج العمل، والثاني أن يكون الموظف بعيداً عن الشبهات والأقاويل، والثالث أن يبتعد الموظف عن ارتكاب الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، وأن صدور أحكام على موظف الوزارة بأحكام مخلة بالشرف والأمانة تبرر إنهاء عمله الوظيفي.

وأضافت مذكرة العدل التي اعتمدتها الوزارة، والتي لو طبقت فستعمل على الإنهاء الوظيفي لمئات الموظفين في وزارة العدل إن ارتكب الموظف الجرائم المخلة بالشرف والأمانة أو وضع نفسه موضع الشكوك والشبهات والريبة دون علم جهة الإدارة، ما ترى معه الوزارة الاستعلام عن الجرائم التي يمكن أن يكون قد ارتكبها بعض الموظفين بالوزارة».

ولم تكتف الوزارة بمسألة الاستعلام عن الموظفين بل وضعت إجراءات مشددة على الموظفين الوافدين دون المواطنين بذريعة أن يكون سلوكهم خارج أوقات العمل قويماً رغم انقطاع الموظف بجهة عمله بمجرد انتهاء الدوام الرسمي إذ أشارت بمذكرتها إلى ضرورة إجراء الاستعلام على» الموظفين وخصوصاً من الوافدين، للتأكد من التزامهم بالسلوك القويم ولو كان خارج نطاق الوظيفة العامة لما تلاحظ من ارتكاب البعض لبعض المخالفات التي تمس الشرف والاعتبار دون علم جهة الإدارة».

وختمت العدل مذكرتها، التي تعد سابقة قد تسمح لباقي الوزارات العمل بمضمونها رغم مخالفتها لأحكام الدستور والقانون بأنها

صورة من قرار «العدل» الذي يبيح للمديرين الاستعلام عن قضايا الموظفين

حصر «الوافدين»

«ترى تشكيل فريق عمل من إدارة الشؤون القانونية وإدارة الشؤون الإدارية تكون مهمته حصر الموظفين الوافدين والاستعلام القضائي عما يمكن أن يكون قد ارتكب من جرائم مخلة بالشرف والأمانة أو وضعوا أنفسهم موضع الشبهات والريبة والعرض على السلطة المختصة بما تراه من توصيات».

وعلى الرغم من صدور تعليمات وزارة العدل المخالفة لأحكام الدستور وقانون المعاملات الإلكترونية التي سمحت للمديرين الاستعلام القضائي عن الموظفين رغم عدم صدور أوامر قضائية من جهات التحقيق أو المحاكم ناقضت الوزارة نفسها لتعارض قراراتها مع التعميم الذي أصدرته بعدم جواز الاستعلام عن أي شخص إلا بموافقته أو صدور قرار قضائي يسمح بذلك وذكرت أن الاستعلام القضائي يعرض الموظف لعقوبات قانون المعاملات الإلكترونية!

وسبق للوزارة أن أصدرت تعميماً لكل العاملين بالوزارة بضرورة تطبيق أحكام قانون المعاملات الإلكترونية، الذي يحظر الاستعلام القضائي عن أي شخص كان إلا بموافقته أو بأمر قضائي فقط، وهو الحظر الذي يمتد لمسؤوليها بعدم جواز الاستعلام عن الموظفين لمجرد التأكد من وجود أحكام بحقهم أو التحري عنهم لأن ذلك الاستعلام المخالف للقانون سيعرضهم لعقوبات تصل إلى أحكام الحبس والغرامة وإلزام الوزارة بتعويضات لمصلحة الموظفين.

مسؤولية تأديبية وقانونية

يذكر أن وزارة العدل أصدرت تعميماً شددت فيه على ضرورة إعمال المادتين 32 من القانون رقم 20 لسنة 2014 في شأن المعاملات الإلكترونية ووفقاً للبندين 21 و22 من المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 60 لسنة 2013 بشأن مراعاة موظفي الوزارة لقواعد ومبادئ السلوك الوظيفي يحظر على كل الموظفين القيام بالاستعلام عن أي شخص طبيعي أو معنوي دون موافقته شخصياً أو من ينوب عنه قانوناً أو بقرار قضائي ومن يخالف ذلك يقع تحت طائلة المسؤولية التأديبية والقانونية.

صورة من تعميم الوزارة الذي يناقض القرار المخالف بعدم جواز الاستعلام عن الأشخاص قضائياً

انتهاك

يشهد الواقع العملي إبلاغ أجهزة التحقيق القضائية جهات عمل المتهمين الذين يتم التحقيق معهم في القضايا الجزائية سواء في قضايا الجنح أو الجنايات وهو ما يمكن للوزارة مخاطبة النيابة العامة إذا ما اعتبرت أن الاتهام فيما لو ثبت بحق المتهم الموظف مخلاً بالشرف والأمانة مخاطبة جهات التحقيق إبلاغها بنتيجة المحاكمة فور صدور الحكم أو مطالبة الموظف بصورة من الحكم البات في القضية التي كان متهما بها ومن ثم فإن استعلامها الدوري غير مبرر ومخالف لأحكام القانون!

منطق معيب

بينما شمل قرار وزارة العدل بالكشف الدوري والاستعلام عن القضايا الجنائية باستمرار سواء للمواطنين أو الوافدين، تمسكت مذكرة وزارة العدل القانونية بالبحث الدوري للوافدين والتأكد من التزامهم خارج أوقات العمل الرسمي ورغم عدم سلامة مسلك الوزارة ككل من الناحية القانونية فإن اختزال المساءلة بالموظفين الوافدين دون المواطنين منطق غريب إذ إن مبدأ المساءلة لو صح فهو لا يعرف مواطناً أو وافداً بل الموظف بعينه مهما كانت جنسيته!

خارج أوقات العمل

بحسب المعلومات المتواترة، فإن بعض الإدارات بوزارة العدل امتنعت عن تنفيذ قرار الوزارة بالاستعلام القضائي عن الموظفين والتحري عن الشبهات والريبة التي يقعون فيها، لأن ذلك الإجراء مسيء للموظفين ويبعث برسائل عدم ثقة بهم بإصدار تعليمات بالتقصي الدوري عنهم والبحث والتحري خارج أوقات العمل عن سلوكياتهم والتي لاعلاقة لها بوظيفة العمل!

مخالفة للمادة 32!

تنص المادة 32 من قانون المعاملات الالكترونية التي يخالفها قرار «العدل» على أنه «لا يجوز في – غير الأحوال المصرح بها قانوناً – للجهات الحكومية أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو الشركات أو الجهات غير الحكومية أو العاملين بها الاطلاع دون وجه حق أو إفشاء أو نشر أية بيانات أو معلومات شخصية مسجلة في سجلات أو أنظمة المعالجة الإلكترونية المتعلقة بالشؤون الوظيفية أو بالسيرة الاجتماعية أو بالحالة الصحية أو بعناصر الذمة المالية للأشخاص أو غير ذلك من البيانات الشخصية المسجلة لدى أي من الجهات المبينة في هذه المادة أو العاملين بها بحكم وظائفهم ما لم يتم ذلك بموافقة الشخص المتعلقة به هذه البيانات أو المعلومات أو من ينوب عنه قانوناً، أو بقرار قضائي مسبب. وتلتزم الجهات المبينة في الفقرة الأولى من هذه المادة ببيان الغرض من جمع البيانات والمعلومات المذكورة، وأن يتم جمع تلك البيانات والمعلومات في حدود ذلك الغرض».