يعود الصالح بالذاكرة الى حقبة خمسينيات القرن الماضي ويتحدث عن مسرح الارتجال الذي اسسه الراحل محمد النشمي حيث يقول إن "النشمي بمعية زملائه ارسوا قواعد مسرح الارتجال القائم على الاتفاق بين فريق العمل على مجموعة أفكار وجمل حوارية ينتج عنها نص يتطور مع مرور الوقت وينضج على الخشبة وكانت تلك الاعمال جريئة تنطوي على فكر وموضوع ولكنها كانت تحتاج الى بعض التوجيه والديكورات الى ان أسس الراحل زكي طليمات فرقة المسرح العربي على أسس وقواعد سليمة، امضينا في رحاب المسرح العربي اربع سنوات نتعلم الحركة السليمة، والنفس، وكيفية نطق الجملة والأداء المنضبط تحت إشراف طليمات الذي يعتبر مدرسة كبيرة".

ويستطرد: بعد فترة الأربع سنوات استقل المسرح واتجهنا لتقديم اعمال محلية موضوعا وتأليفا وإخراجا وناطق باللهجة العامية فكانت البداية مع موضوع لم يتطرق له المسرح الكويتي في الخمسينيات ولا حتى بداية الستينيات، وهي مسرحية "عشت وشفت" من تأليف سعد الفرج وإخراج حسين الصالح التي كانت تتناول حياة الانسان "القروي" الفلاح، هذه المسرحية تعتبر نقلة في تاريخ المسرح الكويتي كونها قدمت بصورة ومستلزمات المسرح الحديث من حيث النص والديكورات والازياء، وجاءت من بعد ذلك العديد من الاعمال من خلال مسرح الخليج والشعبي والعربي، مما خلق نوعاً من التنافس الذي نتج عنه اعمال جيدة تخاطب فكر الجمهور وتلامس اهتماماته حتى ان هناك بعض الاعمال التي كانت بمثابة استقراء للمستقبل مثل "الكويت سنة 2000" التي قدمناها في الستينيات.

Ad

وأكد الصالح ان المسرح حينها واكب قضايا الساعة ليطرح المشكلات، مضيفاً : "لم نقدم حلولاً لأن هذا ليس دورنا وإنما كنا نطرح القضايا".

نقلة

وعن الكوميديا يقول الصالح: "أعتبرها نقلة في حياتي، لاسيما ان بدايتي كانت مع التراجيديا والميلودراما كخطوة لاثبات وجودي وتعزيز حضوري في المشهد الفني، ولأتعلم وأتمكن من أدواتي، ثم سلكت درب الكوميديا التي كانت تشغل حيزا كبيرا من تفكيري واهتمامي منذ قررت طرق ابواب الساحة الفنية، ولعل التنويع فيما يقدم الفنان من ادوار امر مطلوب حتى لا يمل الجمهور، فلا يخفى على أحد ان من أهداف الفن ايضا الترفيه".

محكمة الفريج

واستذكر الصالح بدايته عام 1962 في التمثيلية القصيرة "محكمة الفريج" حينما جسد شخصية "رجل البادية" وقال: "كانت أولى خطواتي الحقيقية في الكوميديا حيث لاقى الكاراكتر اعجاب الجمهور ونال رضاهم، ثم توقفت واتجهت للاعمال التراجيدية ذات الابعاد العميقة والتي تظهر الانسان بمختلف حالاته سواء الخير او الشرير او الكاذب، بمختلف القوالب، وأصبح هذا النمط من الادوار ملازما لي فترة طويلة إلى ان جاءت شخصية "قفة" لتقلب الموازين.

واستطرد: في عام 1975 اتخذت قرار التوجه للكوميديا عندما شاركت في مسرحية "على جناح التبريزي" من تأليف ألفرد فرج ومن إخراج صقر الرشود، وشارك في بطولتها محمد المنصور وسعاد عبد الله وجاسم الصالح وخالد العبيد، ورغم ان المسرحية كانت ناطقة باللغة العربية الفصحى إلا أننا أدخلنا عليها بعض المفردات العامية لنخفف من حدة الجمل ولتصل الى المتلقي الذي يتفاعل بصورة اكبر مع العامية، حينها اتذكر حديث الراحل صقر الرشود عندما قال: غانم سوف تأخذ دور "قفة"، خالجني شيء من القلق لأن المسرحية كانت باللغة العربية، كذلك كان العمل بشكل عام نقلة كبيرة من التراجيديا للكوميديا، وأخيرا شخصية "قفة" كانت تحتاج الى جهد كبير على اعتبار أن "قفة" تابع للتبريزي إلا ان له خطا مختلفا، فكرت كثيرا قبل الموافقة ثم عشت حالة من القلق فترة طويلة حتى قبل رفع الستارة عن اول عرض بـ3 ساعات وكنت اطلب من الرشود رحمة الله عليه ان يعفيني من الدور رغم البروفات المستمرة والوقت الذي استغرقناه في التحضير للعمل والتركيز الكبير الذي لازمني خلال قراءة النص ودراسة الشخصية وأبعادها وتحديد ابرز ملامحها إلا انني كنت قلقاً بشدة.

ثناء على الأداء

ويضيف الراحل: كل من شاهد البروفات من نقاد ومن تابع الاستعدادات من صحافيين اثنى على ادائي لشخصية "قفة" ولكن ظل الخوف والقلق يحاصرانني واسئلة يرن صداها في نفسي ولا أجد ثمة إجابة عليها، أو يمكن القول لم اقتنع بأي اجابة وصلتني، اهتمامي في الاساس كان برأي الجمهور وانطباعهم ومدى تقبلهم لعمل ناطق بالعربية الفصحى من فنانين كل ما قدموه كان بالعامية سواء دراميا او مسرحيا، وبالفعل وجدنا صعوبة كبيرة في ايام العرض الأولى، الحضور لم يتجاوز نصف الصالة إلى أن سافرنا بالعمل الى مهرجان دمشق وحصدت المسرحية المركز الأول وأصر وزير الثقافي السوري حينها ان نعرض المسرحية في حلب لتكون بذلك فرقة مسرح الخليج العربية اول فرقة مسرحية عربية تقدم عروضها في حلب، ثم انتقلنا بالعرض إلى تونس والمغرب ومصر.

وأكد الصالح انه بمجرد عودة فريق عمل "على نجاح التبريزي" الى الكويت كانت اخبار النجاحات التي حققتها المسرحية في الخارج سبقتهم لذلك أصبح الجمهور مشغوفا بمشاهدة العرض والتعرف على سر هذا النجاح وشهد العمل اقبالا جماهيرياً كبيرا.

ويرى الراحل أن المواطن العربي اثقلته هموم الحياة ومشكلات المجتمع، لذا كان لابد ان يلعب الفن دورا في ان يطرح القضايا المختلفة في قالب خفيف حتى لا يزيد من الضغط النفسي.

خدعة السيف الخشب والحبر الأحمر

راود حلم التمثيل غانم الصالح منذ كان في العاشرة من عمره، ووجد الراحل ضالته في فريق التمثيل المدرسي، حيث كان يمنحه الأولوية ضمن الأنشطة التي يشارك فيها.

ويستذكر الصالح أولى خطواته في هذا المجال: "عام 1952 قدمنا مسرحية عن المعركة التي حدثت بين سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وعمرو بن ود، وكنت أجسد شخصية سيدنا علي، ولاحت لي فكرة عمل خدعة بسيطة لنجذب انتباه الجمهور، لاسيما في مشهد المبارزة، حيث استعنت ببالونة ووضعت بداخلها حبرا أحمر، وطلبت من الزميل الذي جسد شخصية ابن ود ان يضعها تحت الدرع، وخلال مبارزتنا طعنته بالسيف الخشب وحينئذ وضع الشخص يده على البالونة ليفرغ الحبر الأحمر على ملابسه، فاعتقد الحضور أن الطعنة حقيقية، وحدثت ضجة كبيرة حينئذ".

مهابة المعلم

يرى الصالح أن مكانة المعلم كانت أمراً لا خلاف حوله قديما، وقال في لقاء تلفزيوني انه ورفيق دربه الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا كانا زميلي دراسة. وأضاف "اعتدنا المشاركة في جلسات السمر التي كانت تنظمها الكشافة، وحينئذ كنا نجسد معا العديد من الاسكتشات التمثيلية، ما بين التحصيل العلمي والأنشطة، خصوصا التمثيل، وكان يمضي الوقت سريعا. كنا نهاب المعلم ونحترمه ونجله عكس ما يحدث حاليا، وأيضا كان التمثيل شغلنا الشاغل، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن انتهينا من دراستنا، وأسسنا فرقة المسرح العربي عام 1961 بقيادة الراحل زكي طليمات.

الشهرة سلاح ذو حدين

يعتبر الفنان غانم الصالح أن الشهرة سلاح ذو حدين، ويرى أن للشهرة مذاقا خاصا، وكل انسان يسعى لأن يكون مشهورا ويشار إليه بالبنان، ولكن في رأيه أن الوجه الآخر منها يجرح وينتهك الخصوصية، وقد تدمر أسرة الفنان وتؤثر على استقراره النفسي.

وأضاف الصالح "بقدر ما يتذوق الفنان حلاوة الشرة بقدر ما يتجرع مرارتها في أوقات كثيرة، لذلك على الفنان ان يتقبلها ويتعايش معها، وتبقى انها ضريبة العمل في الفن والنجاح".