● كيف ترين مكانة جلال الدين الرومي على طاولتنا الثقافية، وهل توجد لديك مشاريع جديدة؟

Ad

- لم نقدّم عن مولانا جلال الدين الرومي في اللغة العربية إلا القليل من عالمه الثري، لذا عكفت منذ عدة سنوات على الاهتمام بما كتبه مولانا، وما كُتب عنه في الدرس الصوفي باللغة الفرنسية والانكليزية، وقد حالفني الحظ أن أتعرّف على أعمال مجموعة من المهتمين بأعمال مولانا، وعلى رأسهم المستشرقة الفرنسية إيفا دوفيتري ميروفيتش، التي نذرت حياتها لنقل رسالة جلال الدين الرومي إلى الجمهور الأوروبي، فترجمَت عمله الشهير "المثنوي"، وجملة من أشعاره (الغزليات والرباعيات)، وسيرة حياته التي سجّلها ابنه سلطان ولد، فرأيت أن أعرّب جزءاً من دراساتها حول الرومي والمولوية، وأن أنقل روايتها للرباعيات إلى اللغة العربية، وقد صدرت مختارات من رباعيات الرومي بترجمتي في بيروت قبل عامين، ثم صدرت مختارات أخرى تحت عنوان "قميص يوسف" منذ سنة تقريبا بالقاهرة. قبل ذلك، شاركت الباحث المصري خالد محمد عبده، مدير مركز طواسين للإسلاميات والتصوف، والمختص في التصوف والأديان في إعداد كتاب حول جلال الدين الرومي في الدرس العربي والغربي، وكان بعنوان "الرومي بين الشرق والغرب"، صدر عن مركز المحروسة بالقاهرة. وإتماماً لهذا العمل الذي بدأته عكفت منذ فترة على نقل عمل للمستشرقة الألمانية أنّا ماري شيمل عن مولانا جلال الدين الرومي، وأتمنى أن يصدر عما قريب لأنه لقي اهتماما من إحدى دور النشر، كما أنني أستهل شهر رمضان بمشروع ترجمة لمختارات من ديوان شمس تبريز، وأرجو أن أوفق في ذلك.

● ماذا عن تأثير نشأتك وتكوينك الثقافي في اتجاهك لعالم جلال الدين الرومي؟

- وُلدتُ في المملكة المغربية، وأتممت دراستي الثانوية والعليا فيها، ورغم ميولي الأدبية كنت مضطرة لاختيار توجه علمي، لكونه يفتح آفاقا مهنية متعددة بعد الانخراط داخل مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود، وقد اخترت آنذاك المعهد العالي للإدارة ISCAE بالدار البيضاء. بعد ذلك حصلت على الماجستير في إدارة المشتريات واللوجيستيات بفرنسا بمعهد GEM Grenoble.

لم يكن اختصاصي في مجال الأدب والترجمة، لكني كنت مولعة بالقراءة، وكان الحنين إلى أيام الدراسة الإعدادية والثانوية، حيث كان أساتذتنا الأجلاء يشجعوننا على دراسة الأدب والشعر، محفزا على محاولة الرجوع نحو الماضي لاسترجاع ما علق في الذاكرة قصد توليفه.

لست شاعرة

● كان دخولك إلى العالم الأدبى عبر ترجمة أشعار جلال الدين الرومي فهل سبقتها محاولات خاصة بك؟ وكيف جاء الانتقال للترجمة؟

- أصنف أشعار مولانا في خانة التصوف أكثر منها في مجال الشعر، فأنا لست شاعرة ولا روائية ولا ناقدة، أعرف نفسي على أنني محبة للتصوف بصفة عامة ولمولانا جلال الدين الرومي بصفة خاصة. دخولي لهذا العالم كان بمحض الصدفة، فكان الانجذاب إلى عوالم مولانا، حيث تغير الروحانية الصادرة عن التجارب الداخلية كل شيء بشأن الصورة الخارجية للحياة الدينية. نعلم أن الموهبة الشعرية لمولانا تدين بالكثير لشخص شمس الدين التبريزي، وأنا أدين في تجاربي في الترجمة إلى السيدة إيفا دوفيتري ميروفيتش (1909-1999)، المحبة الصادقة لمولانا. هي قدوتي، فقد دخَلَت عالم الترجمة من خلال حبها لمولانا وللتصوف، وأتمنى أن أكون سائرة على خطاها. لا يهم أن أوفق في نشر ترجماتي عبر الوسائل المعتادة والمعتمدة في عالمنا العربي، لكن أحسب نفسي صاحبة رسالة، وسأسعى بكل ما أوتيت إلى نشرها.

شهرة واسعة

● من خلال التجربة، لماذا تحظى أشعار الرومي بكل هذه الشهرة والذيوع؟

- لقد عرف فرانكلين لويس هذه الموجة بـ"Rumimania"، وهي حركة أدبية وظاهرة اجتماعية وثقافية تستحق الدراسة. ومن المؤسف أنه عندما نتحدث عن شهرة الرومي في الغرب لا نستحضر سوى أعمال بعض المترجمين من أمثال كولمان باركس أو كبير هلمنسكي اللذين أسسا "تأويلاتهما" حول ترجمات الأكاديميين البريطانيين من أمثال رينولد نيكولسون من جامعة كمبريدج، وهو الأب المؤسس لترجمات الرومي إلى اللغة الانكليزية، وجاء تلميذه آرثر آربري من بعده ليكون متمما لأعمال أستاذه. لولا هاتان الشخصيتان، لما استطاع المترجمون في الولايات المتحدة إعادة ترجمة أشعار الرومي، ولما عرفت هذا الانتشار هناك.

وإن تحدثنا عن أوروبا، فقد بدأت الترجمات خلال القرن الثامن عشر، وكان الألمان كالعادة سباقين إلى ذلك، ثم جاء الاهتمام البريطاني والفرنسي، لكن هذه الأعمال تظل محصورة في كثير من الأحيان داخل الدوائر الأكاديمية.

لكن على الحقيقة، فإن الرومي لم يصر ذا شعبية كبيرة في الغرب إلا بعد أن انصهر داخل المؤسسة الأميركية، فتم تكييف أشعاره مع ما ينتظره الجمهور، وغاب في نظري التوجه الفلسفي والديني والمعرفي في معظم تلك الأعمال (وأستثني من ذلك أعمال وليم شيتيك، فرانكلين ليويس، ثم شيمل ومجددي).

قميص يوسف

* حاز قميص يوسف شهرة واسعة، ماذا عنه وعن ظروف إصداره؟

- لا يمكنني الجزم بذلك، كما لا أستطيع النفي، فلا علم لي بذلك... إن كان الأمر كذلك فهذا ما أبتغيه. "قميص يوسف"، عبارة عن مختارات من رباعيات الرومي (أكثر من 300 رباعية)، اعتمادا على النسخة الفرنسية للسيدة إيفا، والنسخة الفرنسية للشاعر التركي آصف جلبي. وخير وصف لما بين دفتي الديوان هو ما جاء في تقديم إيفا للرباعيات: "يبقى العشق هو الشعور الطاغي لدى الرومي في رباعياته. عشقُ الجمالِ وعشقُ المعشوق المطلق، محبة وجه الحبيب الذي هو انعكاس لـ(الوجه دون وجه). ففي كل هذا المناخ الفكري، يتعلق الأمر بالمرور من الإشارة نحو المشار إليه".

رباعيات

بعض الرباعيات التي يشتمل عليها كتاب "قميص يوسف":

بحثتُ عن روح، في بحر من المرجان،

مخبأة تحت زبد محيط سري.

وعبر طريق ضيق، في ليل قلبي،

سافرتُ وسافرتُ، فوصلت إلى صحراء.

***

لقد عُجن طين الإنسان بندى العشق،

وألف اضطراب، ألف فوضى تولد بالعالم.

ألف رمح من العشق نفذت إلى أوردة الروح،

كي تأخذ منها قطرة، وهذه القطرة تُسمّى: القلب.

***

يحوم العاشق حول الأطلال،

والمحتال لا يغادر المسبحة والأذكار.

أحدهم يتسول قطعة خبز، والآخر ينحني نحو النهر،

أحدهم يروي عطشه، والآخر يتضور من الجوع.

***

من العدم، غادرت قافلتنا محملة بالعشق،

خمر الوحدة تنير ليلنا للأبد.

بهذه الخمر المباحة في دين العشق،

ستسقى شفاهنا حتى فجر العدم.

***

هيا، سأذهب ثملا اليوم،

لأصنع كأسا وقدحا من جمجمة.

أتجول اليوم ثملا في هذه المدينة،

أبحث عن حكيم أجعله مجنونا.

***

وضعنا الثقة بالله وحده، ثم رحلنا،

تخلينا عن عشق العالَمَين، ثم رحلنا.

كانت الروح في القفص، لكن القفص أحس بالضيق،

فحطمنا القفص ثم رحلنا.