شاهدت قبل رمضان تغريدات في "تويتر" لطبيب كويتي يستعرض نشاطه الصحي التطوعي خارجياً للفقراء، وكان بادياً على وجهه السعادة، وتظهر على محياه النفس الطيبة وهو يصور مع الحالات الإغاثية التي قام بعلاجها، تاركاً وطنه وأسرته في ظروف معيشية صعبة، ثم تذكرت قبل سنوات كيف أن هذا الطبيب المتطوع بشحمه ولحمه وردائه الأزرق وكمام العمليات الرقراق نفسه قد "مرمرني" ٩ شهور متتابعة وأنا أراجعه في عيادته الحكومية بمواعيد رسمية مرة في الصباح ومرة في المساء ومرة قبل العصر، ولا أحصله ولم أحظَ قط بمكالمته ولا اعتذاره حتى نصحني أحد الأصدقاء العالمين بما يجري في كواليس وزارة الصحة بأن أذهب لمقابلة هذا الطبيب المحترم في عيادته الخاصة حتى تتسنع أموري، وفعلاً بحثت عن عمله الآخر، ثم اتصلت بعيادته الخاصة فاستقبلني في اليوم نفسه بل خلال ربع ساعة.

‏أنا أذكر هذه الحادثة مع كل التقدير للعاملين في مجال الرعاية الصحية من المخلصين الذين كرسوا أوقاتهم وأعمارهم وعطاءهم لخدمة المجتمع، ولم تغرهم فتنة المال وشهرة الإعلام وهوس وسائل التواصل الاجتماعي، فتمسكوا بقيمهم ومبادئهم النبيلة، ووازنوا بين واجباتهم وبين حقوقهم، ولكنني في الوقت نفسه أطالب وزارة الصحة بإعادة النظر في موضوع جمع الأطباء بين العمل الخاص والعمل الحكومي، وتنظيمه بشكل يحقق الهدف السليم لرعاية المجتمع، وتوفير الخدمات الصحية من جهة، ويتيح الفرصة للراغبين منهم في تكوين حياتهم المهنية الخاصة بعيداً عن الإضرار بمصالح الناس أو الاستفادة من مرافق وإمكانات القطاع الحكومي، فلا بد أن يعلم الجميع أن الوظيفة الحكومية التي تتقاضى عليها راتبك أهم من أعمالك الخاصة التي قد تنتقص من اهتمامك بالوظيفة، وأعظم من انشغالك بالتطوع أو بوسائل التواصل أثناء ساعات العمل الرسمية، وهذا الكلام لا يخص العمل الطبي فقط، إنما ينطبق على كل مؤسسات الدولة ووظائفها العامة باختلاف المهن والتخصصات والمواقع، وليس أدل على أهمية هذا الموضوع أن أفرد له الدستور الكويتي مادة كاملة مستقلة جاء فيها أن "الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة"*، وليس من المصلحة العامة في شيء أن يقدم الموظف الحكومي عمله الخاص وبعد الدوام الرسمي على وظيفته التي تعاقد مع الدولة على أدائها واستحق بها راتبه، فالحلال بيّن والحرام بيّن والسعيد من وفّق للتفريق بينهما. والله وحده الموفق.

Ad

* المادة 26 من الدستور الكويتي- الباب الثاني- المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي.