تنوعت العروض التلفزيونية خلال شهر رمضان بشكل أثرى السباق الدرامي، وكان هناك قاسم مشترك جمع أبرز تلك العروض بشكل لافت للانتباه، وهو التركيز على قصص حقبوية تراثية تعود للخلف عشرات السنين، بداية من الأربعينيات، في "لا موسيقى في الأحمدي"، وصولا إلى الثمانينيات في "موضى قطعة من ذهب"، مروراً بالخمسينيات والستينيات والسبعينيات في أعمال أخرى، في سياق درامي محكم وشديد الإبداع.

وفي هذا الصدد، يقول مخرج مسلسل "الديرفة" مناف عبدال إنه حرص على ظهور المسلسل بشكل واقعي، رغم أنه ينتمي للمسلسلات الحقبوية التي تناقش أزمة بخمسينيات القرن الماضي، ولذلك تم بناء قرية متكاملة للتصوير كلفت شركة الإنتاج 140 ألف دينار، بإحدى المدارس المهجورة بمنطقة الرميثية، ليخرج العمل بهذه الصورة اللائقة، ويشعر المشاهد بأنه انتقل مع الممثل إلى هذا العصر بروحه ومشاعره، فضلا عن الاعتماد على ابداع الفنانين المشاركين والديكور والملابس وغيرها من عناصر العمل الفني الإبداعية.

Ad

وحول هروب البعض من المحاذير الرقابية بالعودة إلى الماضي، أكد عبدال أنه يؤيد الرقابة الفنية على مجمل الأعمال، فالمجتمع له أصول وتقاليد يجب مراعاتها، والعودة للوراء ربما لا تعطي الكاتب أو المخرج على وجه الخصوص فرصة لتجاوز الخطوط الحمرا، لأنها فترات معروفة بالتزامها بالقيم والأعراف. ورغم ذلك، على المبدع أن يقدم منتجا صالحا لجميع أفراد الأسرة، فالشاشة الصغيرة داخل كل البيوت وغير مسموع للمبدع تجاوز المحاذير بزعم الإبداع والضرورة الدرامية.

واتفقت الكاتبة منى الشمري مؤلفة "أمنيات بعيدة" كعمل معاصر، و"لا موسيقى في الأحمدى" كآخر تراثي، مع المخرج مناف عبدال في أن الأعمال التراثية مكلفة جدا، حيث تكلفت شركة الإنتاج 600 ألف دينار لخروج "لا موسيقى في الأحمدى" بهذا الشكل الرائع.

لكن الشمري أكدت في الوقت نفسه أن المنتجين يقبلون على الأعمال التراثية، وخاصة في السباق الرمضاني، باعتبارها الحصان الفائز والكرت الرابح، نتيجة إقبال الجمهور على هذه النوعية من المسلسلات وفقا لمعايير السوق، وهو ما يعيه جيدا المنتجون، ولكن منتج العمل التراثي لابد أن يكون شجاعا ومؤمنا بالمنتج، وفي المقابل ضعف الإنتاج أو عدم سخائه يصيب العمل التراثي بالضعف، على حد تعبيرها.

وأضافت أنه رغم أن مسلسلها "لا موسيقى في الأحمدي" تأخر عرضه عاما بسبب تعسف الرقابة، وهو السبب في تزامن عرض العملين في نفس التوقيت، إلا أنها أوضحت أن الرقابة تمارس عملها على مستوى كل الأعمال، تراثية كانت أو معاصرة، لموافقة الشروط المسموعة والمرئية، ولذلك لا مفر منها، معبرة عن رغبتها في إزالة القيود الرقابية تماما عن العمل الإبداعي والفني لضمان مزيد من الجودة والحرية في الإبداع.

أما الكاتب حمد الرومي مؤلف "أنا عندي نص" و"موضي قطعة من ذهب"، الذي أبحر في ثمانينيات القرن الماضي وتجول على مدى أربعين عاما، وصولا لعام 2018، فيرى أن هروب الكاتب لعصور قديمة لا يجنبه المسؤولية، ولا يتيح له فرصة الهرب من مشاكل آنية أو حتى قيود يفرضها المجتمع أو القانون.

وأوضح الرومي أن الأزمنة تختلف، ولكن الأزمات الإنسانية والنفسية واحدة، فقط تتغير في شكلها وكيفية تعاطيها، ولكن الإنسان ومعاناته هي هي، الآن ومنذ مئات أو آلاف السنين، فالكذب والخيانة والفقر والنجاح والطموح وغيرها من القضايا، التي يجسدها الكاتب في مشروعه الإبداعي قضايا قديمة، ولكن تتغير المفردات وأسلوب التناول.

وأضاف أن المبدع يستطيع الهروب من المحاذير عن طريق الفانتازيا أو السخرية الخيالية أو غيرها من الأساليب، ولكن العودة للوراء لا تجنبه المسؤولية، بل يصبح مسؤولا بشكل آخر عن إنتاج عمل فني لا يعبث بالتاريخ أو ملامح الفترة التي يناقشها، فالفن أمانة ورسالة، والتزام القانون الرقابي لأي مجتمع أو بلد واجبٌ على المبدع الذي يسعى لإصلاح مجتمعه وتوصيل رسالة سامية من خلال عمله.